8:10:45
كربلاء مدرسة العلماء... الشيخ الخازن أنموذج الفقيه الأديب المحقق من كربلاء إلى الكوفة، والخازر، فعين الوردة... حكاية السيوف التي انتقمت لدم الحسين "عليه السلام" تهنئة  استمرار الدورة الفقهية في مركز كربلاء للدراسات والبحوث من النواويس إلى الحائر... رحلة الأرض التي احتضنت الإمامة والشهادة اهل البيت عليهم السلام: منزلتهم و مبادئهم هلاك الاستبداد و نجاة التشاور ... محمد جواد الدمستاني موقف شهداء الطفّ... حين ارتفعت قيم الكرامة فوق رايات النفاق في مكتبة مركز كربلاء... المرجع الأهم للنجاح في إختبار التوفل الدولي مدينة الحسين "عليه السلام" في الأرشيف العثماني... ملامح سياسية واقتصادية يكشفها مركز كربلاء للدراسات والبحوث أسرار تحت أقدام الزائرين... ماذا تخبئ تربة كربلاء من كنوز زراعية وتاريخية؟ قاسم الحائري... شاعر كربلاء الذي بكى الحسين حتى العمى المساجد ومجالس الأدب كمصنع للوعي... أسرار ازدهار الصحافة في كربلاء العمل في فكر الأنبياء "عليهم السلام"... صناعة الإنسان قبل صناعة الحضارة قراءة في كتاب: "الإمام المهدي في القرآن والسنة" سفر من نور في مكتبة مركز كربلاء كتب "الولائيات" بين المبالغة والوهم... مركز كربلاء يقرأ نصوص الطف بعين العقل والمنطق تحت شعار: "بالألوان نرسم الأمل".. مركز كربلاء يحلّ ضيفاً على أول معرض فني بمدرسة عراقية في مدينة قم المقدسة الصبر على المصيبة مصيبة للشامت ... محمد جواد الدمستاني في إصدار علمي جديد... مركز كربلاء يسبر أغوار خزائن العتبات المقدسة الحوزة العلمية في كربلاء... مجدٌ نُقش بأسماء الكبار وتراث عظيم ينتظر من يزيح الغبار عنه
اخبار عامة / أقلام الباحثين
09:52 AM | 2024-12-22 390
جانب من تشيع الشهيد زكي غنام
تحميل الصورة

واللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا ... محمد جواد الدمستاني

واللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا

في الزّهد و الاقتداء بأمير المؤمنين عليه السلام

نهج البلاغة – من الخطبة 160

محمد جواد الدمستاني

 

الزّهد ثروة عظيمة لأصحابها، و ليس الزهد من المسائل الهامشية أو الترفية و التراثية القديمة كما قد يتوهم البعض، بل الزهد موضوع متجدد و له آثار مهمة في حياة الإنسان، و الزّهد يعني عدم التشبث في ملذّات الحياة و الإعراض عنها، و بما فيها من الزُهد في المناصب و الأموال، و عدم الجشع و الطمع، و الإقبال على العبادة و تأثيرها في النهي عن الفحشاء والمنكر، و في حصول التقوى فهو من الأمور الحياتية التي تؤثر على الأفراد و المجتمعات و يحتاج إلى الجدّ فيه و الاجتهاد.

و المجتمعات مبتلية بخلاف ذلك من التمسك و التشبث بأعراض الدّنيا و جشعها مع تهتك و فسق في كثير من مواقعها، و إذا أردت مثالا فعيّنة الحكام المثال الأكبر، و لا يُطلب من غالبية هؤلاء الزّهد في الدّنيا فهو خارج من منطقة اهتمامهم، و لكن يُطلب منهم الإنصاف و العدل.

 

و في غرر الحكم من كلمات أمير المؤمنين «الزّهد ثروة»،ص23، و «الزهد أصل الدين»،ص35، و «الزّهد  ثمرة الدين»،ص32، و «الزّهد أساس اليقين»،ص36.

و في الخطبة الثانية و الستين في نهج البلاغة تحدث أمير المؤمنين عليه السلام عن زهد النبي صلى الله عليه و آله و زهد الأنبياء موسى و داود و عيسى عليهم السلام، داعيا بالاقتداء و التأسي بالنبي (ص) و الأنبياء (ع)، ونهاية الخطبة ذكر عليه السلام هذا المقطع «واللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هَذِهِ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا، ولَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ: أَلا تَنْبِذُهَا عَنْكَ؟! فَقُلْتُ: اغْرُبْ عَنِّي فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى».

 

و الكلام حول الزّهد و ترك ما في الدنيا، والإعراض عنها و مدى زهد أمير المؤمنين عليه السلام، و اقتدائه برسول الله صلى الله عليه و آله فيه، و ذكر بعض أحوالهِ في التأسي و هي تكرار ترقيع مدرعته.

قال عليه السلام: «واللَّهِ لَقَدْ رَقَّعْتُ مِدْرَعَتِي هَذِهِ» و المدرعة ثوب من الصوف، «حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَاقِعِهَا» يستحي من المرقع أو الراقع لكثرة و تكرار ترقيعها، «ولَقَدْ قَالَ لِي قَائِلٌ» من النّاس الراقع أو غيره، «أَلا تَنْبِذُهَا عَنْكَ» أي ألا تتركها و تستبدل بها آخرا جديدا، «فَقُلْتُ: اغْرُبْ عَنِّي» أي ابتعد عني، «فَعِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ الْقَوْمُ السُّرَى»، السّرى هو السّير ليلا، و هو مثل يقال حين تتحمل الصعوبة والمشقة الحالية رجاء الراحة الآجلة، فإذا القافلة سارت ليلا مع تعب و مشقة السير و السفر ليلا ثم وصلوا إلى مقصد السفر و نهايته فإنّ السائرون يحمدون سيرهم ليلا، و هنا أمير المؤمنين عليه السلام يزهد في الدنيا و يتحمّل الصعاب و المشقة مثل لبس هذه المدرعة و ترقيعها رجاء ثواب الله و فضله.

 

و قد ذكر التاريخ كثيرا من الشواهد و القصص عن زهد أمير المؤمنين عليه السلام، و ذُكرت روايات كثيرة في هذا المقام، و منها :

قال الراوي: «دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِالْخَوَرْنَقِ وَ هُوَ يَرْعُدُ تَحْتَ سَمَلِ قَطِيفَةٍ، فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لَكَ وَ لِأَهْلِ بَيْتِكَ فِي هَذَا اَلْمَالِ مَا يَعُمُّ وَ أَنْتَ تَصْنَعُ بِنَفْسِكَ مَا تَصْنَعُ؟ فَقَالَ وَ اَللَّهِ مَا أَرْزَأُكُمْ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئاً وَ إِنَّ هَذِهِ لَقَطِيفَتِيَ اَلَّتِي خَرَجْتُ بِهَا مِنْ مَنْزِلِي [مَنْزِلِنَا] مِنَ اَلْمَدِينَةِ مَا عِنْدِي غَيْرُهَا». كشف الغمة،ج1ص173

 

و في نّهج البلاغة: وَ رُئِيَ عَلَيْهِ إِزَارٌ خَلَقٌ مَرْقُوعٌ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ : «يَخْشَعُ لَهُ الْقَلْبُ، وَ تَذِلُّ بِهِ النَّفْسُ، وَ يَقْتَدِي بِهِ الْمُؤْمِنُونَ»، نهج البلاغة، حكمة 103، و الخَلَقُ : البالِي من الثِّياب.

 

وفي نهج البلاغة أيضا «..فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً، وَ لَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً، وَ لَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً، وَ لَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً». نهج البلاغة، كتاب 45

 

و يُروى عنه عليه السلام: «يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا إِلَيْكِ عَنِّي، أَ بِي تَعَرَّضْتِ، أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ، لَا حَانَ حِينُكِ، هَيْهَاتَ غُرِّي غَيْرِي لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ قَدْ طَلَّقْتُكِ ثَلَاثاً لَا رَجْعَةَ فِيهَا، فَعَيْشُكِ قَصِيرٌ، وَ خَطَرُكِ يَسِيرٌ، وَ أَمَلُكِ حَقِيرٌ، آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَ طُولِ الطَّرِيقِ وَ بُعْدِ السَّفَرِ وَ عَظِيمِ الْمَوْرِدِ». نهج البلاغة، حكمة 77

 

و قال عليه السلام « أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ : هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، ولَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ». نهج البلاغة، كتاب 45.

 

و ذكر في المناقب(ج2ص98) قوله عليه السلام:       

عَلّل النفسَ بالقنوع و إلاّ         طلبَت منكَ فوقَ ما يَكفيها

 

هذا شيء من زهد أمير المؤمنين عليه السلام فعلى مواليه و محبيه و شيعته الاقتداء به و بزهده و تقواه و خاصة لمن هم في مواقع المسؤولية و السعي نحو الورع و الاجتهاد، فقد قال عليه السلام « أَلَا وَ إِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ وَ مِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ أَلَا وَ إِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَ لَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَ اجْتِهَادٍ وَ عِفَّةٍ وَ سَدَادٍ». نهج البلاغة، كتاب 45.

و قال عليه السلام « وَ إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ وَ تَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ وَ لَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ وَ لُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَ نَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ وَ لَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَ يَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ وَ لَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَ لَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ». نهج البلاغة، كتاب 45.

هذا المقطع و ما قبله من  الكتاب الخامس و الأربعين في نهج البلاغة و الذي كتبه أمير المؤمنين عليه السلام إلى عامله على البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري وهو من أصحاب رسول الله (ص) و كان قد بلغه أنه دُعي إلى وليمة قوم من أهلها، و هو من النصوص المهمة في معرفة زهد أمير المؤمنين عليه السلام، و كذا في مراقبة ولاته.

 

و في وصيته عليه السلام قبل شهادته عليه السلام «وَ أَلَّا تَبْغِيَا الدُّنْيَا وَ إِنْ بَغَتْكُمَا، وَ لَا تَأْسَفَا عَلَى شَيْ‏ءٍ مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا». البلاغة، الوصية 47.

 

وقد لخّص الزّهد في القرآن فقال عليه السلام «الزُّهْدُ كُلُّهُ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْوَ مَنْ لَمْ يَأْسَ عَلَى الْمَاضِي وَ لَمْ يَفْرَحْ بِالْآتِي فَقَدْ أَخَذَ الزُّهْدَ بِطَرَفَيْهِ». نهج البلاغة- حكمة 439.

 

و روي عن الإمام الباقر عليه السلام «وَ لَقَدْ وَلِيَ خَمْسَ سِنِينَ، وَ مَا وَضَعَ آجُرَّةً عَلَى آجُرَّةٍ، وَ لاَ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ، وَ لاَ أَقْطَعَ قَطِيعاً، وَ لاَ أَوْرَثَ بَيْضاً وَ لاَ حُمْراً». المناقب،ج2ص95 .


المقال يمثل رأي الكاتب وليس بالضرورة ان يمثل رأي المركز

 

 

Facebook Facebook Twitter Whatsapp