8:10:45
كربلاء مدرسة العلماء... الشيخ الخازن أنموذج الفقيه الأديب المحقق من كربلاء إلى الكوفة، والخازر، فعين الوردة... حكاية السيوف التي انتقمت لدم الحسين "عليه السلام" تهنئة  استمرار الدورة الفقهية في مركز كربلاء للدراسات والبحوث من النواويس إلى الحائر... رحلة الأرض التي احتضنت الإمامة والشهادة اهل البيت عليهم السلام: منزلتهم و مبادئهم هلاك الاستبداد و نجاة التشاور ... محمد جواد الدمستاني موقف شهداء الطفّ... حين ارتفعت قيم الكرامة فوق رايات النفاق في مكتبة مركز كربلاء... المرجع الأهم للنجاح في إختبار التوفل الدولي مدينة الحسين "عليه السلام" في الأرشيف العثماني... ملامح سياسية واقتصادية يكشفها مركز كربلاء للدراسات والبحوث أسرار تحت أقدام الزائرين... ماذا تخبئ تربة كربلاء من كنوز زراعية وتاريخية؟ قاسم الحائري... شاعر كربلاء الذي بكى الحسين حتى العمى المساجد ومجالس الأدب كمصنع للوعي... أسرار ازدهار الصحافة في كربلاء العمل في فكر الأنبياء "عليهم السلام"... صناعة الإنسان قبل صناعة الحضارة قراءة في كتاب: "الإمام المهدي في القرآن والسنة" سفر من نور في مكتبة مركز كربلاء كتب "الولائيات" بين المبالغة والوهم... مركز كربلاء يقرأ نصوص الطف بعين العقل والمنطق تحت شعار: "بالألوان نرسم الأمل".. مركز كربلاء يحلّ ضيفاً على أول معرض فني بمدرسة عراقية في مدينة قم المقدسة الصبر على المصيبة مصيبة للشامت ... محمد جواد الدمستاني في إصدار علمي جديد... مركز كربلاء يسبر أغوار خزائن العتبات المقدسة الحوزة العلمية في كربلاء... مجدٌ نُقش بأسماء الكبار وتراث عظيم ينتظر من يزيح الغبار عنه
نشاطات المركز
01:13 PM | 2024-12-02 262
جانب من تشيع الشهيد زكي غنام
تحميل الصورة

دور الكربلائيين في إلغاء معاهدة بورتسموث 1948م

في كانون الثاني من عام 1948م، شهد العراق واحدة من أبرز الانتفاضات الشعبية في تاريخه الحديث، والتي عُرفت بـ"وثبة كانون الثاني"، كانت هذه الانتفاضة ردًا قوياَ على معاهدة بورتسموث، التي وُقعت في 15 كانون الثاني من نفس العام بين الحكومة العراقية برئاسة صالح جبر والحكومة البريطانية، نصت المعاهدة على تقييد حركة الجيش العراقي، وفرضت على العراق تحمل نفقات القوات البريطانية المتمركزة في البلاد، مما جعل العراق فعليًا تحت الهيمنة البريطانية، في خطوة اعتُبرت بمثابة تكريس الاستعمار البريطاني.

أثار الإعلان عن هذه المعاهدة موجة غضب عارمة في مختلف أنحاء العراق، حيث قادت القوى الوطنية والشبابية، بما في ذلك التشكيلات الطلابية، احتجاجات شعبية عارمة حيث خرجت المظاهرات في العديد من المدن العراقية مطالبة بإلغاء المعاهدة وإسقاط الحكومة، وكان لمدينة كربلاء، ذات التاريخ الحافل بالمقاومة الوطنية، دور بارز في تلك الأحداث.

شهدت المدينة مظاهرات حاشدة نظمتها شخصيات وطنية وطلاب من أبناء كربلاء، وبدأت الاحتجاجات من الصحن الحسيني الشريف بعد خطب حماسية ألقيت من قبل رجال دين وفكر كربلائيين مثل السيد محمد هادي السعيد والسيد ضياء السعيد، حيث استخدموا كلماتهم لتحفيز الجماهير على مواجهة الحكومة ورفض المعاهدة ، وكانت الشعارات المطروحة في هذه المظاهرات تدين الاستعمار البريطاني وتطالب بمحاكمة المسؤولين المتواطئين مع بريطانيا، بالإضافة إلى المطالبة بإقالة حكومة صالح جبر.

من بين الشخصيات البارزة التي قادت المظاهرات في كربلاء، عبد المهدي الحافظ، محمد حسين أبو المحاسن، جواد الشروفي، عبد المهدي قمبر، جواد أبو الحب، وحسن هادي الصراف، وغيرهم من الوطنيين الذين قادوا الاحتجاجات بكل شجاعة، وعلى الرغم من قمع الشرطة لهذه المظاهرات واعتقال العديد من القيادات الوطنية، استمر الاحتجاج الشعبي بشكل قوي، مما عكس وحدة الشعب العراقي في مواجهة أي محاولة لتقويض استقلاله.

لجأ المحتجون في كربلاء إلى الاعتصام داخل الصحنين الشريفين للحسين وأخيه العباس (عليهما السلام)، حيث تحول الاعتصام إلى مهرجان جماهيري تعبيري عن رفض كامل للهيمنة الاستعمارية. ومع ذلك، لم تتوان الشرطة عن قمع المعتصمين، حيث نصبت الكمائن واعتقلت العديد منهم عقب خروجهم من الصحنين الشريفين.

من أبرز المحطات التي أثرت في مجرى الأحداث كان تشييع الشهيد جعفر الجواهري، الذي استشهد في أثناء الاحتجاجات ضد المعاهدة. تحول تشييع الجواهري إلى مظاهرة حاشدة، حيث ألقى أخوه الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري قصيدته الشهيرة، التي جاء في مطلعها:

"أتعلم أم أنت لا تعلم
بأنّ جراحَ الضحايا فمُ
فمٌ ليس كالمدّعي قولةً
وليـس كآخرَ يسترحِم"

لقد أثارت هذه القصيدة مشاعر الحاضرين، وحولت الجنازة إلى رسالة احتجاج ضد الظلم ورفض للاستعمار.

كل هذه الضغوط الشعبية، وخاصة تلك التي كانت تأتي من كربلاء، كانت كفيلة بإجبار رئيس الحكومة صالح جبر على تقديم استقالته في 27 كانون الثاني 1948م، ما مثل انتصارًا واضحًا للإرادة الشعبية. عقب الاستقالة، تم تعيين السيد محمد الصدر رئيساً للوزراء بديلاَ عن صالح جبر، وهو شخصية تحظى باحترام واسع في الأوساط الدينية والشعبية، وكان تعيينه خطوة تهدف إلى تهدئة الأوضاع.

لقد كانت "وثبة كانون" 1948م، وبخاصة الدور الكبير الذي لعبه أهل كربلاء فيها، تأكيداَ على قدرة العراقيين على التوحد والتصدي لأي محاولة لانتقاص سيادة بلدهم، هذه الانتفاضة لم تكن مجرد رفض لمعاهدة استعمارية، بل كانت بمثابة رسالة قوية ضد الاستعمار بكل أشكاله، وتجسيدًا حيًا لروح التضحية والكرامة التي تميز الشعب العراقي.

 

 

راجع__

         سعيد رشيد زميزم ، تاريخ كربلاء قديماً وحديثاً، دار القارئ ، بيروت ،2010،ط1،ص157

Facebook Facebook Twitter Whatsapp