سلّطت موسوعة كربلاء الحضارية الصادرة عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث، الضوء على الدور المحوري الذي تلعبه "الخطط البلدانية" أو الخرائط الجغرافية التاريخية، في فهم الأحداث المفصلية في التاريخ الإسلامي، مؤكدة أن الزمان والمكان ليسا مجرد إطارين سرديين، بل ركيزتان لا بد من الوقوف عليهما لاستيعاب الحقيقة التاريخية بوعيٍ علمي دقيق.
وبيّنت الموسوعة أن النصوص التاريخية تولد على ضفّتي الزمان والمكان، وبدونهما لا يمكن التحقق من صدقية الوقائع، خصوصاً في ظل التحريف أو الإزالة التي طالت الكثير من معالم المدن الإسلامية القديمة مع تطورها العمراني، حيث ركّزت على مدينة كربلاء المقدسة، بوصفها موقعاً مقدساً ارتبط بشكل وثيق بالثورة الحسينية وفاجعة الطف الخالدة.
وبحسب ما ورد في الروايات المأثورة، فقد وقف الإمامان الباقر والصادق "عليهما السلام" بأنفسهما على جغرافية كربلاء في عصرهما، وأكّدا على صفة "الملكية المعنوية" للإمام الحسين "عليه السلام" لهذه الأرض، وهو ما دفع المؤرخين والبلدانيين إلى استخدام مصطلحات مثل "صاحب كربلاء"، و"مشهد الحسين".
لكن اللافت للنظر أن مصطلح "المشهد" إذا أُطلق دون تحديد، فيُراد به بحسب بعض المراجع، مرقد الإمام علي "عليه السلام" في النجف الأشرف.
وإنتقدت الموسوعة الاستخدام الخاطئ لبعض المفكرين والمستشرقين لمصطلح "الحج" بدلاً من "الزيارة"، في إشارة لزيارات المسلمين لمرقديّ الإمام علي والإمام الحسين "عليهما السلام"، حيث يرى المستشرقون ومنهم لويد، وساندرس، أن هذه الزيارات أشبه بـ "حجٍّ شيعيّ" إلى كربلاء والنجف، ويضعونها في مصاف قداسة الكعبة المشرّفة.
وضمن هذا الإطار، فقد أوضح الباحثون أن هذا الخلط بين العبادة المفروضة شرعًا "الحج" و"الزيارة المستحبة"، يعود لغياب الفهم العقائدي، مؤكدين إن الشيعة الإمامية يعتقدون بوجوب الحج إلى بيت الله الحرام، ولا يساوونه بأي مكان آخر من حيث التشريع.
وفي واقعة مثيرة، أثارت ضجة في عشرينيات القرن الماضي، فقد قُتل أحد الزوار الإيرانيين في مكة، فطالب الناس حينها سماحة المرجع السيد "أبو الحسن الموسوي الأصفهاني"، بإصدار فتوى تحرّم الذهاب إلى الحج، لكنه رفض قائلاً:
"نحن بدون تحريم متهمون بأنّا نحج إلى كربلاء، فكيف إذا أصدرنا فتوى؟، فلا أريد أن أكون حاجزاً بين الإنسان وربه".
ويختتم المحور التاريخي من الموسوعة، بنقطة روحانية مفادها، أنه حين يقف الزائر أمام ضريح أحد الأئمة الأطهار بخشوع ويقين، يتحول الموقف من مجرّد زيارة إلى ارتقاء روحي ومعنوي يعمّق الإيمان بالله ورسالة نبيّه وآله الأطهار "صلوات الله عليهم"، ويجسّد حالة من الولاء الإيماني والوجداني لا تقبل التزييف أو التأويل.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية، المحور التاريخي، قسم التاريخ الإسلامي، النهضة الحسينية، 2017، ج1، ص29-32.