8:10:45
كربلاء مدرسة العلماء... الشيخ الخازن أنموذج الفقيه الأديب المحقق من كربلاء إلى الكوفة، والخازر، فعين الوردة... حكاية السيوف التي انتقمت لدم الحسين "عليه السلام" تهنئة  استمرار الدورة الفقهية في مركز كربلاء للدراسات والبحوث من النواويس إلى الحائر... رحلة الأرض التي احتضنت الإمامة والشهادة اهل البيت عليهم السلام: منزلتهم و مبادئهم هلاك الاستبداد و نجاة التشاور ... محمد جواد الدمستاني موقف شهداء الطفّ... حين ارتفعت قيم الكرامة فوق رايات النفاق في مكتبة مركز كربلاء... المرجع الأهم للنجاح في إختبار التوفل الدولي مدينة الحسين "عليه السلام" في الأرشيف العثماني... ملامح سياسية واقتصادية يكشفها مركز كربلاء للدراسات والبحوث أسرار تحت أقدام الزائرين... ماذا تخبئ تربة كربلاء من كنوز زراعية وتاريخية؟ قاسم الحائري... شاعر كربلاء الذي بكى الحسين حتى العمى المساجد ومجالس الأدب كمصنع للوعي... أسرار ازدهار الصحافة في كربلاء العمل في فكر الأنبياء "عليهم السلام"... صناعة الإنسان قبل صناعة الحضارة قراءة في كتاب: "الإمام المهدي في القرآن والسنة" سفر من نور في مكتبة مركز كربلاء كتب "الولائيات" بين المبالغة والوهم... مركز كربلاء يقرأ نصوص الطف بعين العقل والمنطق تحت شعار: "بالألوان نرسم الأمل".. مركز كربلاء يحلّ ضيفاً على أول معرض فني بمدرسة عراقية في مدينة قم المقدسة الصبر على المصيبة مصيبة للشامت ... محمد جواد الدمستاني في إصدار علمي جديد... مركز كربلاء يسبر أغوار خزائن العتبات المقدسة الحوزة العلمية في كربلاء... مجدٌ نُقش بأسماء الكبار وتراث عظيم ينتظر من يزيح الغبار عنه
اخبار عامة
11:25 AM | 2025-02-08 418
جانب من تشيع الشهيد زكي غنام
تحميل الصورة

الحذر من عمل شيء يمنعك عن أشياء «كم من أكلة منعت أكلات» محمد جواد الدمستاني

في اهتمام الإنسان و عنايته بما يفعله بما فيه الطعام و نوعيته روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في باب الحكم، قوله (ع) «كَمْ مِنْ أَكْلَةٍ مَنَعَتْ أَكَلَاتٍ»، حكمة 171، و أَكْلَة هي المرّة من الأكل و الجمع أَكَلات و أَكْلات.

 

و الحكمة تجري مجرى المثل و يضرب للشيء الذي يمنع عن أشياء، أو يضرب لمن فعل فعلا  و كان هذا الفعل سببا في حرمانه من أمور حسنة أخرى، و في الأكل صارت أكلته هذه سببا في حرمانه غيرها من الأكلات، و هذا كثير عند الناس فإنّهم يعملون دزن تدقيق و عناية ما يمنعهم من أعمال أخرى.

 

و في تمام نهج البلاغة :«أَلَا وَإِنَّ مَعَ كُلِّ جُرْعَةٍ شَرَقاً، وَإِنَّ لِكُلِّ أَكْلَةٍ غَصَصاً، وَ كَمْ مِنْ أَكْلَةٍ مَنَعَتْ أَكَلَاتٍ». و سياق النص هنا هو في الأطعمة و الأكل.

و المعنى البسيط للحكمة هو أنّ الإنسان يأكل أكلة أو أكلا غير ملائم له، أو ملائم و لكنه يفرط في تناوله فيسبب له مرض أو مضاعفات مرضية سلبية، أو تفاقم لمرضه، فيضطر أن يمتنع عن الطعام و الأكلات بعدها حتى يصح من مرضه، و قد لا يصح.

 

و الافراط مضر بالإنسان و مفسد له  في الأكل و غير الأكل، و متى ما أفرط الإنسان في غذائه و  أكله و أُتخم فإنّه قد عرّض نفسه للمرض، فإذا ما مرض سيضطر أن يتجنب تناول وجبات و أكلات، و ممكن أن تتفاقم حالته.

 

و بالنسبة للمفهوم العام في «كَمْ مِنْ أَكْلَةٍ مَنَعَتْ أَكَلَاتٍ» هو دعوة إلى الانتباه و الحذر، و أنّ على الإنسان الامتناع عن المقدمات التي تأتي بنتائج سلبية عليه مباشرة أو غير مباشرة، في الأكل، و عموم الرغبات و الشهوات، و في الكلام و اللسان، و في الأفعال و الأعمال، و على الإنسان العاقل السعي بألا يقوم بايّ شيئ يؤدي إلى فساد أخلاقه أو دينه، أو يسبب له أضرار دون حق.

و كأمثلة: قد يقوم الإنسان بقبول رشوة يستمتع بها فتمنعه من وظيفته في بلد يحّرم الرشوة و يطبق القانون.

أو يتقرب شخص من حاكم ظالم يفرح بقربه و يسعد بأنسه فيخسّره ذلك القرب لاحقا الحاكم و المحكوم.

و قد يظهر شخص على برنامج تلفزيوني فيُمنع الظهور لاحقا بسبب هذا الظهور.

و قد ينطبق على ما يقوم به بعض الرياضيين من استعمال عقاقير منشطة لزيادة نشاطه و قوته فيُكتشف فتمنعه تلك من المسابقات اللاحقة، و هكذا يعمل الإنسان أشياء تمنعه عن أشياء.

 

و إذا كان الكلام في المنطوق –كما هو السياق في تمام نهج البلاغة- يمكن أن تمنع الأكلةُ الأكلات اللاحقة في حالات كثيرة، منها: إذا أكل ما يضر البدن مطلقا، أو حالة العجلة في الأكل و سرعة الابتلاع، أو عدم مضغ الأكل أو الطعام بصورة جيدة، أو عدم الاهتمام بنوعية الأكل المناسب للشخص نفسه، أو حالة وضع طعام كثير في الفم و في المعدة، أو في حالات تناول أطعمة بها سموم غذائية، أو حالات بها تلف في الأطعمة المأكولة أو فاسدة، أو أطعمة تؤثر على أمراض عند الآكل و تسبب مضاعفات له، أو غيرها من الحالات، ففي مثل هذه الحالات ممكن أن تسبب الأكلة مشاكل صحية أو أضرار في الجسم تمنع بعدها أكلات لاحقة حتى يطيب الآكل من تلك الأضرار، و قد لا يطيب.

 

و مثله أيضا يُروى عن أمير المؤمنين عليه السلام: «كَمْ مِنْ لَذَّةٍ دَنِيَّةٍ مَنَعَتْ سَنِيَّ [سَنَا] دَرَجَاتٍ»، عيون الحكم و المواعظ،ص٣٨٠، و كذلك «كَمْ مِنْ شَهْوَةٍ مَنَعَتْ رُتْبَةً». غرر الحكم،ص513. و قد ينطبق هذا على ما تقوم به بعض الدول حين ارتكاب أحد المسؤولين مخالفة شهوانية فيحرم من منصبه البارز أو وظيفته المتقدمة بسبب هذه المخالفة.

 

و قريب منه ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام «وَ كَمْ مِنْ شَهْوَةِ سَاعَةٍ أَوْرَثَتْ حُزْناً طَوِيلاً». الکافي،ج2ص451، و مطلق الشهوة تشمل كل ما يشتهيه الإنسان من الملذات الدنيوية، و المعنى السلبي هو في الشهوة المحرمة، و ارتكاب الذنب بقرينة ما سبقها من قوله عليه السلام «تَرْكُ اَلْخَطِيئَةِ أَيْسَرُ مِنْ طَلَبِ اَلتَّوْبَةِ»، الکافي،ج2ص451. و الحكمة كاملة هي «تَرْكُ اَلْخَطِيئَةِ أَيْسَرُ مِنْ طَلَبِ اَلتَّوْبَةِ، وَ كَمْ مِنْ شَهْوَةِ سَاعَةٍ أَوْرَثَتْ حُزْناً طَوِيلاً، وَ اَلْمَوْتُ فَضَحَ اَلدُّنْيَا فَلَمْ يَتْرُكْ لِذِي لُبٍّ فَرَحاً». الکافي،ج2،ص451.

 

و تشير الحكمة «كم من أكلة ..» إلى ضرورة العناية بالأكل و نوعيته و مقداره، و عدم الإسراف و الإفراط و في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «إِنَّ فِي اَلْقُرْآنِ لَآيَةً تَجْمَعُ اَلطِّبَّ كُلَّهُ كُلُوا وَ اِشْرَبُوا وَ لاٰ تُسْرِفُوا». بحار الأنوار،ج59ص267، فالاعتدال في الأكل و الشرب من ضروريات صحة جسم الإنسان.

 

و من تعاليمه عليه السلام ضرورة تذكّر و تصور نتائج و عواقب الطعام حين أكله و التلذذ به فلا يستميت الآكل بالتلذذ به دون حساب فإنّه قد يؤدي إلى توجع و تألم و بالتالي إلى الحاجة إلى الدواء المرّ، كما في الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام االتي وضعها ابن أبي الحديد في نهاية شرحه للنهج، قال «يَنبَغي لِلعاقِلِ أن يَتَذَكَّرَ عِندَ حَلاوَةِ الغِذاءِ مَرارَةَ الدَّواءِ».شرح نهج البلاغة،ج٢٠،ص٢٧٢

 

و في الروايات إرشاد كبير إلى الانتباه فيما يضعة الإنسان في معدته و أنّها الجزء الرئيسي الذي يسبب المرض و الاعتلال، كما أنّ التحكم بكمية الطعام و التقليل منه الجزء الرئيسي للدواء، كما يروى عنهم عن جدهم صلوات الله و سلامه عليهم، «وَ أَعْلَمُ أَنَّ اَلْمَعِدَةَ بَيْتُ اَلدَّاءِ، وَ أَنَّ اَلْحِمْيَةَ هِيَ اَلدَّوَاءُ، وَ أُعَوِّدُ اَلْبَدَنَ مَا اِعْتَادَ» علل الشرایع،ج1ص98. و الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام «لَوْ أَنَّ اَلنَّاسَ قَصَّرُوا فِي اَلطَّعَامِ لاَسْتَقَامَتْ أَبْدَانُهُمْ». مکارم الأخلاق، ص362.

 

و عدد من الروايات عنهم عليهم السلام في هذا المضمون، منها عن أمير المؤمنين عليه السلام «مَنْ كَثُرَ أَكْلُهُ قَلَّتْ صِحَّتُهُ وَ ثَقُلَتْ عَلَى نَفْسِهِ مَؤُنَتُهُ». غرر الحکم، ص646، و كذلك «لا تَجتَمِعُ الصِّحَّةُ وَالنَّهَمُ»، عیون الحکم، ص533، «إِيَّاكَ وَ اَلْبِطْنَةَ فَمَنْ لَزِمَهَا كَثُرَتْ أَسْقَامُهُ وَ فَسُدَتْ أَحْلاَمُهُ». غرر الحکم، ص165، و البطنة هي الامتلاء الشَّديد من الطَّعام.

 

و من تعاليمهم عليهم السلام الطبية:

ما روي في الخصال قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِلْحَسَنِ اِبْنِهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:

«يَا بُنَيَّ أَ لاَ أُعَلِّمُكَ أَرْبَعَ خِصَالٍ تَسْتَغْنِي بِهَا عَنِ اَلطِّبِّ، فَقَالَ بَلَى يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ.

قَالَ لاَ تَجْلِسْ عَلَى اَلطَّعَامِ إِلاَّ وَ أَنْتَ جَائِعٌ،

وَ لاَ تَقُمْ عَنِ اَلطَّعَامِ إِلاَّ وَ أَنْتَ تَشْتَهِيهِ،

وَ جَوِّدِ اَلْمَضْغَ،

وَ إِذَا نِمْتَ فَاعْرِضْ نَفْسَكَ عَلَى اَلْخَلاَءِ،

فَإِذَا اِسْتَعْمَلْتَ هَذَا اِسْتَغْنَيْتَ عَنِ اَلطِّبِّ». الخصال،ج1ص228.

 

و روي عن أمير المؤمنين علیه السلام «إِذَا أَرَادَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ صَلاَحَ عَبْدٍ أَلْهَمَهُ قِلَّةَ اَلْكَلاَمِ، وَ قِلَّةَ اَلطَّعَامِ، وَ قِلَّةَ اَلْمَنَامِ». غرر الحکم و درر الکلم، ص289 .

 

و في فن العلاقات روي عن أمير المؤمنين عليه السلام «كُنْ كَالنَّحْلَةِ إِذَا أَكَلَتْ أَكَلَتْ طَيِّباً، وَ إِذَا وَضَعَتْ وَضَعَتْ طَيِّباً، وَ إِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُودٍ لَمْ تُكَسِّرْهُ». غرر الحکم و درر الکلم، ص532.

 

و في الدّعاء «اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِكَ الْوَاسِعِ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ رِزْقاً وَاسِعاً حَلَالاً طَيِّباً»، و الحمد لله ربّ العالمين، و صلّ اللهم على محمد و آله الطاهرين.

Facebook Facebook Twitter Whatsapp