في مطلع القرن الثامن الهجري، سجّل الرحّالة الشهير "إبن بطوطة" خلال زيارته لمدينة كربلاء المقدسة عام (726هـ)، انطباعاً لافتاً عن الحركة العلمية والحياة الاجتماعية فيها.
وتنقل المصادر عن هذا الرحّالة، حديثه عن وجود ما أسماهما بـ "مدرسة عظيمة" و"زاوية كريمة" تقدّمان الطعام للواردين والصادرين، في إشارة إلى مسجد "إبن شاهين" الملحق بالروضة الحسينية الشريفة، و"دار السيادة" التي أنشأها السلطان "محمود غازان خان" وقفاً للفقراء وأبناء السبيل.
وكان مسجد "إبن شاهين" آنذاك، عامراً بطلبة العلم، ممن ارتادوا هذا الصرح لينهلوا من مناهل الفكر الإسلامي، وسط نهضة علمية وثقافية بارزة.
كما شهدت كربلاء في ذلك العصر بروز كوكبة من العلماء والأدباء، من بينهم السيد "عميد الدين عبد المطلب"، العالم الفاضل والأديب المنحدر من سلالة الإمام زين العابدين "عليه السلام"، والشيخ "عز الدين أبي محمد الأسدي"، والشيخ "علي بن الخازن الحائري"، فضلاً عن العلّامة "الحسين بن سعد الله الحسيني العبدلي"، والشيخ "ابن دريد الحائري"، والسيد "جلال الدين عبد الحميد بن فخار الموسوي".
وفق وقت لاحق، انتقلت بعض النخب الفكرية الكربلائية إلى النجف الأشرف، حيث أسهمت في إحياء الحركة العلمية، ومنها إلى الحلة الفيحاء التي أنجبت بدورها عدداً من كبار العلماء والأدباء.
وفي منتصف القرن التاسع الهجري، شهدت كربلاء موجة علمية جديدة بانتقال الشيخ أحمد بن محمد بن فهد الحلّي الأسدي (757-841هـ) إلى ربوعها، حيث لعب دوراً محورياً في إنعاش الحياة العلمية،
كما لمع فيها علماء أجلّاء آخرون بينهم الشيخ إبراهيم الكفعمي (ت 900هـ)، والسيد حسين بن مساعد الموسوي (ت 910هـ)، وغيرهم ممن أسهموا في تعزيز مكانة كربلاء كمركز إشعاع علمي وثقافي لا تخبو أنواره.
المصدر: وثائق الحوزة العلمية في كربلاء منذ نشوئها حتى عام 1444هـ / 2023م، د. كامل سلمان الجبوري، ج1، ص6-7.