تقع مدينة كربلاء على حافة الهضبة الصحراوية، ضمن منطقة السهل الرسوبي، مما جعلها بوابة للتجارة الخارجية نحو الجزيرة العربية ورحلاتها الموسمية الصيفية والشتائية، وطريقاً للحج البري، ومركزاً تجارياً للبدو والحضر وأهل الريف، وملتقى لطرق المواصلات.
وقد ساهم وجود مرقدي الإمام الحسين وأخيه العباس "عليهما السلام" في تعزيز مكانتها الدينية، مما جذب الزوار والتجار من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
هذا وقد مرّت بكربلاء طرق تجارية وحجية مهمة، مثل طريق "درب زبيدة" الذي ربط بين الكوفة ومكة المكرمة، مروراً بعين التمر والبادية الغربية، كما كانت المدينة محطة رئيسية على طريق القوافل القادمة من بلاد فارس والشام، مما جعلها مركزاً لتبادل السلع والثقافات.
كما شهدت كربلاء زيادة في عمرانها خلال القرنين السابع والثامن الهجري، وخاصةً في عهد الأسرة الجلائرية (1336م - 1432م)، حيث كانت مدينة صغيرة المساحة تحيط بها النخيل ويسقيها ماء الفرات، وقد أدّى توافد الزوار والتجار، إلى بناء الأسواق والمخازن والمقاهي والمنشآت الدينية، مما ساهم في ازدهار الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
وتذكر المصادر أن اقتصاد كربلاء كان قد اعتمد على الزراعة، حيث كانت المدينة تنتج كميات كبيرة من التمور والحبوب، بالإضافة إلى الصناعات الحرفية مثل صناعة السجاد والأقمشة، كما ساهمت التجارة في تنشيط الأسواق المحلية، حيث كانت المدينة مركزاً لتبادل السلع بين الريف والحضر.
وبسبب زخم الزائرين للمدينة، تم ربطها بسكك الحديد مع بغداد عام 1858م في عهد والي بغداد العثماني "عمر باشا"، مما سهّل حركة الزوار والبضائع، وعزز مكانة كربلاء كمركز تجاري وديني مهم.
إن التقاء العاملين، الديني والجغرافي، جعل من كربلاء مدينةً فريدة في خريطتها الاقتصادية، تمزج بين روحية الزيارة، وحركة السوق المحلية والإقليمية، فالأسواق المحيطة بالمراقد، لم تكن مجرد تجمعات تجارية، بل انعكاس لمنظومة اقتصادية تعيش على إيقاع الزيارة الدينية، وتنتعش بها.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور الاجتماعي، 2020، ج1، ص44-47.