في معركة كربلاء، لم تكن المواجهة بين جيشين، بل بين قناعة ويقين مقابل خيانة وطمع، كما لم يكن الإمام الحسين "عليه السلام" بحاجة إلى عدد، بل إلى رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
وكان كتاب "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد" للباحث الأستاذ "عبد الأمير القريشي"، قد كشف الشواهد التاريخية التي تثبت أن قلة الأنصار كانت جوهر العظمة، لا موضع طعن كما يحاول بعض المشككين الترويج له.
ولأن التاريخ، حين يُروى بأمانة، قد ذكر أن كل فارس من أصحاب الحسين كان أمةً وحده، وأنَّ العدوّ نفسه اعترف بأنهم من الأسود لا من البشر.
ومن بين الشواهد التي تفضح التشكيك، هي ما جاء من بطون الكتب لا من أفواه الرويبضة، عندما صرّح الإمام الحسين نفسه، بالقول "ألا وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وكثرة العدو وخذلة الناصر..."، وهذا الاعتراف الصريح بقلة الأنصار كان شرفاً لا عاراً، لأن المعركة حينها لك تكن حسابات عسكرية، بل موقف إلهي.
كما فضح الصمت الأموي عن العدد، دليل صحة هذه الروايات، فلو كان مع الحسين جيش جرار كما يزعم بعض المتنطعين، لأغرق الإعلام الأموي التاريخ بادعاء أن الحسين ثار بسيف وجيش، لكنهم صمتوا عن العدد، لأنهم كانوا يعلمون أنه أقل من أن يُبرر ذبحه.
وتأتي شهادة الإمام الحسين "عليه السلام" في أصحابه ضمن هذا الإطار، عندما قال "أما بعد، فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيراً"، فلو كانوا جيشاً جراراً، لما استحق هذا الوصف الاستثنائي، ولما عرض عليهم سيد الشهداء "عليه السلام" الرحيل ليلة عاشوراء، وهم مع ذلك قالوا له "لو كانت الدنيا باقية، وكنا فيها مخلدين، لأثرنا النهوض معك على الإقامة فيها".
وقد شهد لشجاعة هذه الثلّة المؤمنة على قلة عددها، العدو قبل الصديق، عندما صرخ "عمرو بن الحجاج" على جيشه، قائلاً "يا حمقى، أتدرون من تقاتلون؟! فرسان المصر، قوماً مستميتين، فوالله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم".
ختاماً، فإن من ظنّ أن الحسين خرج ليهزم جيوشاً، لم يفهم كربلاء، ومن ظن أن النصر في الكثرة، فقد نسي أن الله نصر الأنبياء بفرد، أو رجلين، أو ثلاثة، فهي ثورة الحق لا رقم الجموع، وإن لم يكن للحسين إلا القلة، فهم الخالدون، ومن قاتله لا يذكرهم التاريخ إلا في قوائم العار.
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص71-74.