في خطوة لافتة شكّلت مرآة لواقع مدينة كربلاء المقدسة في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، أجرى فريق تخطيط عمراني مسحاً ميدانياً شاملاً استمر لأسبوعين بدءاً من الأول من نيسان عام 1988.
هذا وقد ركّز المسح المنشور في بحث علمي متخصص خلال نفس العام، على الأبنية المطلة على الشوارع الرئيسية، متناولاً ارتفاعاتها، وفضاءات الأرصفة، وطبيعة الاستعمالات، في محاولة لرصد الواقع البنائي والتخطيطي للمدينة في ذلك الوقت.
ولأغراض الدراسة والتحليل، قُسّمت كربلاء إلى ثلاث مناطق رئيسية، أولها منطقة المركز، ومن ثم المنطقة الوسطى، ومنطقة أطراف المدينة، حيث استند هذا التقسيم إلى عوامل عمرانية ودينية وتاريخية، منها وجود المدينة القديمة، ومجاورتها للمرقدين الشريفين، فضلاً عن اختلاف أنماط استعمال الأرض فيها.
وتمثل منطقة المركز، النواة التاريخية للمدينة، والتي تضم الشوارع المحصورة داخل الطريق الحلقي الأول، بما في ذلك أجزاء من شارع الجمهورية، وشارع الإمام الحسن "عليه السلام"، وشارع ثورة العشرين.
وقد تميزت هذه المنطقة بتركيبتها البنيوية التي تجمع بين الطابع السكني والتجاري، فيما شهدت بعض أبنيتها آنذاك تجديداً حديثاً وفقاً لمخططات تطوير "ما بين الحرمين" الصادرة عن هيئة التخطيط العمراني في عام 1980، بحيث تتناغم مع ارتفاعات جدران المرقدين الشريفين.
أما المنطقة الوسطى، فتقع بين المركز وأطراف المدينة، وتفصلها عنهما الطريقان الحلقيان الأول والثاني على التوالي، وتبدأ من شارع ميثم التمار، مروراً بساحة الفيالق "منطقة التجنيد آنذاك" وساحة 7 نيسان، وصولاً إلى شارع الحر.
واتسمت هذه المنطقة بطابع عمراني أكثر حداثة مقارنة بمنطقة المركز، حيث شهدت نمطاً مختلطاً من الاستعمالات (سكنية، تجارية، إدارية)، مما يجعلها تمثل طوراً انتقالياً بين عمق المدينة القديمة وامتداداتها الجديدة.
وفيما يخص منطقة أطراف المدينة، فتشكّل الامتداد الخارجي للمدينة حتى حدود التصميم الأساسي لمدينة كربلاء المقدسة، ويفصلها عن المنطقة الوسطى، الطريق الحلقي الثاني، حيث تضم هذه المنطقة غالبية الشوارع الحديثة نسبياً، والتي خضعت للتوسع العمراني ضمن إطار التخطيط الهيكلي للمدينة.
وتمثل أطراف المدينة نقطة التماس مع الهوية المستقبلية لكربلاء، حيث تلتقي الخطط الحضرية بالطابع الاجتماعي السائد حينها.
المصدر: محمد علي حسن الأنباري، الهيكل العمراني لمدينة كربلاء – البعد الثالث للمدينة، 1988، ص6-7.