في شهادة تاريخية بالغة الأهمية والإدانة، نقل "ابن قتيبة الدينوري" في روايته، كما وثّقها الأستاذ عبد الأمير القريشي في كتابه "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد"، اعترافاً خطيراً جاء على لسان المجرم "شمر بن ذي الجوشن"، أحد أبرز القادة الأمويين الذين نفّذوا مذبحة كربلاء.
فبعد انتهاء واقعة الطف، وجه ابن زياد بترحيل الإمام زين العابدين (عليه السلام) ومن كان معه من النساء والأطفال إلى دمشق، برفقة شمر بن ذي الجوشن، وزحر بن قيس، ومحقن بن ثعلبة، ليُسلَّم الرأس الشريف للإمام الحسين (عليه السلام) إلى الطاغية يزيد بن معاوية.
ويروي الدينوري أن شمراً وقف بين يدي يزيد متحدثاً "يا أمير المؤمنين، ورد علينا هذا – أي الحسين (عليه السلام) – في ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته، وستين رجلاً من شيعته، فصرنا إليهم، فسألناهم النزول على حكم أميرنا عبيد الله بن زياد أو القتال، فغدونا عليهم عند شروق الشمس، فأحطنا بهم من كل جانب، فلما أخذت السيوف منهم مأخذها جعلوا يلوذون إلى غير وزر لوذان الحمام من الصقور، فما كان إلا مقدار جزر جزور أو نوم قائل حتى أتينا على آخرهم...".
بهذه الكلمات القليلة في عددها، الكثيرة في دلالاتها، ظهرت الأدلة الكافية لهدم قرون من المبالغات والأساطير حول عدد أنصار الإمام الحسين (عليه السلام).
ويصف القريشي هذا النص بالقول “إنها اعتراف صريح من أبرز رموز الحزب الأموي، وهو شمر بن ذي الجوشن، بأن مجموع من كان مع الإمام – من أهل بيته وأنصاره – لم يتجاوز الثمانية والسبعين مؤمناً".
هذه الرواية على غرار سابقتها، والصادرة عن شاهد على الجريمة ومنفذها، تُعد من أقوى الأدلة التاريخية على محدودية العدد الحقيقي لأنصار سيد الشهداء (عليه السلام)، وتؤكد أن الملحمة لم تكن بين جيشين متكافئين، بل بين صفوة قليلة من الرجال في مواجهة جيش جرار قُدّر بعشرات الآلاف.
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص93-94.