تُعَدُّ مدينة كربلاء واحدة من أكثر المدن العراقية غنىً بالإشعاع الشمسي، إذ تتسلم على مدار السنة معدلات مرتفعة تجعلها بحق “مدينة الضوء والحرارة”، وتفتح أمام الباحثين آفاقاً واسعة في مجال الطاقة المتجددة والمناخ المحلي.
فوفقاً للبيانات المناخية المنشورة في موسوعة كربلاء الحضارية الصادرة عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث، يبلغ المعدل السنوي للإشعاع الشمسي في كربلاء (509.58 ملي واط/سم²/دقيقة)، وهي نسبة تُصنّف ضمن الأعلى على مستوى مدن العراق والمنطقة.
ويعتمد مناخ كربلاء بشكل أساسي على الإشعاع الشمسي الذي يشكّل أكثر من (99.97%) من الطاقة المتاحة في الغلاف الجوي وعلى سطح الأرض، وتتباين كميات هذا الإشعاع تبعاً لحركة الأرض السنوية حول الشمس، وزاوية سقوط الأشعة، فضلاً عن طبيعة الغلافين الجوي والمائي، ما يؤدي إلى اختلاف واضح في درجات الحرارة والضغط الجوي وسرعة الرياح ومعدلات التبخر والتساقط.
كما تشهد كربلاء ازدياداً تدريجياً في زاوية سقوط الأشعة الشمسية ابتداءً من شهر آذار، مع انتقال الشمس ظاهرياً نحو نصف الكرة الشمالي، وتبلغ ساعات السطوع النظرية والفعلية ذروتها بين شهري حزيران وتموز، إذ تسجّل زاوية إشعاع شبه عمودية تصل إلى أكثر من (80) درجة، وترتفع ساعات السطوع إلى نحو (14) ساعة يومياً نظرياً، وقرابة (11) ساعة فعلياً.
وفي هذه الفترة تبلغ قيم الإشعاع الشمسي أعلى مستوياتها عند (746.12 ملي واط/سم²/دقيقة)، مما يجعل أجواء المدينة حارة وجافة ومضيئة بشدة، مع شعورٍ واضحٍ بعدم الارتياح الحراري بسبب ارتفاع حرارة الهواء القريب من السطح.
ومع اقتراب الشتاء، تتراجع زاوية سقوط الأشعة إلى حدود (33–36 درجة)، وتقلّ ساعات السطوع إلى نحو (6) ساعات فعلية يومياً فقط. ويُعزى هذا الانخفاض إلى كثافة الغيوم والعواصف الغبارية وزيادة بخار الماء، ما يؤدي إلى تسجيل أدنى معدل إشعاع في العام، يبلغ (255.7 ملي واط/سم²/دقيقة) في شهر كانون الأول.
غير أن هذه الفترة تمثل أيضاً مرحلة استراحة بيئية تساعد الأرض على استعادة رطوبتها وتوازنها المناخي بعد شهور الصيف اللاهبة.
وتظهر نتائج الدراسات المناخية أن كربلاء تتلقى معدلات إشعاع شمسي مرتفعة يمكن أن تتحول من عامل مناخي مزعج إلى مصدر طاقة مستدامة، لو تم استثمارها في مشروعات الطاقة الشمسية لتغذية المؤسسات الرسمية والأهلية، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يجعلها مدينةً مؤهلة لتكون رائدة في مجال الطاقة النظيفة في العراق.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور الجغرافي، 2017، ج1، ص125-130.