وثّق مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة، وعبر موسوعته الحضارية الشاملة، مرحلة محورية من تاريخ كربلاء العمراني شهدتها المدينة عام 1871م، حين دفعت جملة من العوامل الداخلية والخارجية إلى توسعها وتحوّلها من قصبة محصورة بالأسوار القديمة إلى مدينة أكثر اتساعاً وتنظيماً.
وقد أوضحت الوثائق العثمانية التي اعتمدتها الموسوعة، أن توسع المدينة كان نتيجة لعدة أسباب، منها ارتباط قضاء الهندية بلواء كربلاء مما عزّز أهميتها الإدارية، إلى جانب تطور العلاقات الإيرانية مع ولاية بغداد، مما انعكس إيجاباً على تزايد أعداد الزائرين إلى العتبات المقدسة، فضلاً عن الازدحام الشديد داخل المدينة القديمة، وهو ما دفع السلطات العثمانية إلى التفكير في إيجاد مقر إداري جديد خارج القصبة.
ووفقاً للوثائق، ففي نيسان عام 1871، رفع مجلس إدارة لواء كربلاء طلباً رسمياً إلى وزارة الداخلية العثمانية في إسطنبول لإنشاء مقر إداري جديد للواء ونقل الدوائر الحكومية إليه، حيث قدّر المجلس كلفة المشروع بـ (100,000) قرش عثماني، مقترحاً أن يتم تمويله من الميزانية العامة للدولة مع بيع المقر القديم وتخصيص ريعه لصالح الخزينة.
وقد وافقت الوزارة على الطلب، موجّهة وزارة المالية بتأمين المبلغ المطلوب، فيما تم تخصيص المقر القديم ليكون معسكراً إضافياً للقوات العثمانية في المدينة.
وكان من أبرز نتائج هذا التوسع، هو هدم جزء من سور المدينة عند باب النجف، ما فتح الباب أمام إنشاء حي جديد عُرف لاحقاً بإسم "العباسية"، والذي انقسم مع مرور الوقت إلى قسمين هما العباسية الغربية والعباسية الشرقية اللتان يفصل بينهما شارع رئيسي حمل اسم شارع العباس (عليه السلام)، والذي لا يزال يمثل أحد المحاور العمرانية البارزة في المدينة.
وفي عهد الوالي العثماني "مدحت باشا"، بُني سور جديد للمدينة، وبدأت تظهر ملامح التخطيط الحديث لشوارعها وأحيائها، إذ جرى لأول مرة اعتماد خطوط منظمة للشوارع، بخلاف الأحياء القديمة ذات الأزقة الضيقة والمنازل الخالية من النوافذ.
كما شهدت كربلاء في ثمانينات القرن التاسع عشر محاولات أخرى لتوسيع أحيائها، حيث تم إنشاء محلة جديدة بشوارع عريضة ومنازل حديثة، ليُقام مقر الحكومة في نهايتها.
وفي عام 1885م، زار المدينة المفتش العثماني "عالي بك" ممثلًا عن دائرة الديون العمومية، ليتفقد أوضاعها العمرانية والإدارية، في وقت كانت فيه كربلاء قد أصبحت من المدن المتوسطة في ولاية بغداد، متصلةً بالمراكز الحضرية المجاورة عبر شبكة طرقات حديثة نسبياً.