من ذاكرة كربلاء الشعبية التي تحفظ خلاصة التجارب الإنسانية وتوثّق نبض المجتمع على مرّ الأجيال، يبرز مثلٌ عميق الدلالة نصّه "الطبع غلاب"، وهو من أشهر الأمثال التراثية التي ما زالت تُردد في المجالس الكربلائية، معبّراً عن حكمة إنسانية خالدة تتجاوز حدود الزمان والمكان.
يشير هذا المثل إلى أن الطبع – أي السجيّة أو الخُلق الذي جُبل عليه الإنسان – هو الغالب في النهاية، وأن محاولة تغييره كثيراً ما تصطدم بجدار العادة والميل الفطري. ويُقصد بـ "الطبع" هنا، الخلق السيئ على وجه الخصوص، إذ يُضرب المثل عندما يحاول المجتمع إصلاح سلوك أحد أفراده بالنصح والموعظة، لكن دون جدوى، لأن الطبع يغلب التكلّف والمظاهر.
ومن عمق هذه التجربة الشعبية، جاء مثل آخر قريب المعنى يقول "أبو طبع إسأل عن سلامته"، في إشارة إلى أن من طُبع على عادة سيئة، فسيعود إليها مهما حاول التظاهر بخلافها.
ويرتبط هذا المثل التراثي في جوهره بالحكمة التي نطق بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام" حين قال:
وكُلُّ جِراحَةٍ فَلَهَا دَواءُ وسوءُ الخُلْقِ ليسَ لَهُ دَواءُ
وهكذا يجسّد المثل الشعبي الكربلائي "الطبع غلاب" امتداداً للحكمة العلوية، مؤكداً أن السلوك الإنساني الأصيل – خيراً كان أم شراً – لا يمكن أن يُوارى طويلاً، وأن جوهر الإنسان هو الذي ينتصر في النهاية.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور الاجتماعي، 2020، ج2، ص25-26.