بعد نشر صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية البارزة لتقريرٍ أشادت من خلاله بنجاح العراق على إحتواء فيروس "كورونا" المميت بالرغم من ضعف إمكانياته المتاحة وقربه الجغرافي وتعاملاته التجارية المتواصلة مع أكبر بؤرتيّن لإنتشار هذا المرض وهما كل من إيران والصين، فإنه من الأدعى التساؤل عن الأسباب والظروف التي قادت الى هذا النجاح.

وفي تقريرها الصادر بتاريخ الـ 17 من شهر آذار الجاري، فقد نقلت الصحيفة عن ممثل منظمة الصحة العالمية في العراق "د. أدهم إسماعيل" تأكيده في لقاء خاص إن "عدد الإصابات المتوقعة في العراق جراء هذا الفيروس كان يمكن أن يكون أكثر ببضع مئات أخرى، إلا أنه لا يوجد سبب للاعتقاد بتصاعد العدد مستقبلاً، وإن بقاء الأعداد منخفضة كما هي حتى الآن هو (معجزة طبية)" حسب وصفه ودون أن يعطي أسباباً وراء تحقق هذه "المعجزة"، فيما أشار التقرير أنه "لو حدث الأسوأ فيما يخص أي زيادة بأعداد المصابين، فإن المرض سيطغى بسرعة على الموارد الصحية (المحدودة أصلاً) في العراق بفعل سنوات طوال من الحرب والفساد الى درجة عدم وجود أجهزة تنفس أو معدات تهوية كافية للتعامل مع أي زيادة بإنتشار الفيروس".

من هنا يبرز التساؤل عن كيفية بقاء أعداد المصابين بفيروس "كورونا" في العراق ضمن النسب المسيطر عليها الى درجة عبرته معها عاصفة الوباء غرباً عبر المتوسط لتصيب بوابلها أوروبا ذات الإمكانيات الطبية المتقدمة، مع الإشارة الى أن البيئة الاجتماعية في العراق هي بيئة أكثر من مناسبة لهذا المرض بفعل الإختلاط الإجتماعي الكبير متمثلاً بمجالس الفواتح وحفلات الأعراس وباقي المناسبات التي لا يقل حضور الواحدة منها عن 100 شخص ضمن أماكن مغلقة في أغلب الأحيان ووسط حالة من المعانقة والتقبيل لا المصافحة وحسب، فضلاً عن  الجانب الديني المتمثل بالعتبات المقدسة التي يؤمّها الآلاف يومياً مع إصرار كل منهم على تقبيل أبوابها وشبابيكها، بل وإنتقد بعضهم قيام الأمانات العامة لهذه العتبات بتعقيمها، ناهيك عن التظاهرات المتواصلة لحد الآن في مختلف أنحاء البلاد، دون ذكر إحجام العديد عن الإلتزام بالإرشادات الصحية ودعوات حظر التجوال.

يستشف من كل ما ذُكِر وجود رحمةٍ إلهية لهذا البلد الذي ضمّ بين جنباته مراقد الأنبياء والأئمة والأولياء الصالحين وذريتهم من المراجع العظام الذين أغلقوا مكاتبهم وإعتذروا عن إستقبال محبيهم منعاً للتجمعات، وأوقفوا حتى دروس الحوزة العلمية التي لا تتوقف عن مسيرتها إلا لعظائم الأمور، وكانوا السبّاقين في نصح الناس بتأجيل مراسيم العزاء والمناسبات الاجتماعية منعاً للضرر، والدعوة الى تطبيق التكافل الاجتماعي لمساعدة من تضررت سبل معيشته بفعل إجراءات الحجر الصحي، بل وتعدتّه الى أكثر من ذلك عبر وصف محاربي هذا المرض من الكوادر الصحية والأمنية بـ "المجاهدين الكفائيين".

المصدر:

https://www.washingtonpost.com/world/middle_east/the-middle-east-is-already-wracked-by-war-now-it-must-confront-coronavirus-too/2020/03/16/a233d2b0-62f8-11ea-8a8e-5c5336b32760_story.html