بعد ظهور الكثير من علامات الانحراف العقائدي الموجّه والاقاويل المشككة ببركات أئمة أهل البيت الأطهار "عليهم السلام" وخصوصاً من قبل الأجيال الناشئة المتأثرة بقيم الغرب وأعداء الإسلام، فقد كشفت الروايات المنقولة عن أئمتنا الأطهار، أنهم أجابوا بأنفسهم عن هذه التشكيكات بما قلّ ودلّ من بالغ الكلام.
ومن بين ما ذكر في هذا المجال، هو ما يتم توارده حالياً عن غياب بركات ذرية رسول الله "صلى الله عليهم أجمعين" في شفاء أتباعهم ومواليهم وخصوصاً بعد ظهور أزمة فيروس "كورونا" الجديد، والتحجج بتناقص أعداد الزائرين للمراقد الشريفة والدعوات إلى عدم تقبيل أبوابها وشبابيكها إلى درجة أصبحت معها هذه المراقد شبه خالية، بعد أن كانت التربة الحسينية رمزاً للشفاء واستجابة الدعاء.
وكان مما ذكرته المصادر المشار إليها هو أن بركاتُ المعصومين (عليهم السلام) موجودةُ ولا تنقطعُ ابداً، وكذلك إن بركةُ الشفاءِ بالتربةِ الحسينية لا تنقطع هي الأخرى، ولكن لم يَدلّْ الدليلُ على أنَّ البركةَ محصورة في شبابيكِ المرقدِ أو حيطانِه حتى يكونَ التمسحُ بها لازماً للمؤمنين، أو أنَّ الشفاَءَ يحصَلُ بمجردِ تناول شيء من تربة الحسين (عليه السلام) ، بل إن الشفاءُ بالتربةِ الحسينيةِ يحصل ضمن ضوابط ذِكرَها العلماءُ في كتبهم ، منها أن يكونَ المتناولُ لهذه التربةِ مؤمناً وعارفا بقدر الحسين (عليه السلام) وحقِّه، فقد رُوي عن الإمامِ الصادق عليه السلام أنه قالَ: "لو أنَّ مريضاً من المؤمنين يعرفُ حقَ أبي عبد الله عليه السلام وحرمَتهُ أخذَ له من طينِ قبرِ الحسين عليه السلام مثل رأسُ الأنملةِ كان له دواء وشفاء ".[ مصباح المتهجد - الشيخ الطوسي - : 732]
وأيضا وَرَد أنَّ الترابَ المأخوذَ لا يبعد عن القبر أكثرَ من سبعين ذراعا، كما جاءَ عن الإمام الصادق (عليه السلام) [المصدر السابق]، وقد تشافى بهذه التربةِ الشريفةِ المأخوذة من قُربِ القبر الكثير من المؤمنين، وهو أمر مشاعً ومعروفُ بيننا يبلغُ حَدَ الاستفاضةِ والتواتر.
وأمّا الدعواتُ التي صدَرتْ بتقليلِ التجمعات في المراقد أو عدم تقبيل الشبابيك فيها ونحو ذلك، فهي أمور احترازيةُ يفرضها العقلُ والشَرعُ؛ لأنّه من الواضحِ جدّا أنّ زيارةَ المراقدِ الشريفة للأئمة (عليهم السلام) هي أمر مستحبُ، والأمرُ المستحبُ إذا زاحمَهُ الواجبُ (كحفظ النفس من التلف عند وجود عدو يمنع الزيارة بقتل ونحوه أو وباء خطره مؤكّد) يُقدَّمُ الثاني على الأوّل.. هذا من حيثُ الحكمُ الأوّلي في الموضوع..
نعم، قد تدخل عناوين ثانوية يتغير فيها الحكم المذكور كما لو كان الدافع لمنع الزيارة وتهديد العدو بالقتل غايته درس الشعائر أو اهانة المذهب ونحو ذلك، فهنا تتقدّمُ الزيارة على حفظ النفس، كما هو الحال في كلّ تزاحم يكون ملاكه أهم، والعنوان الثانوي غير متصوّر في مقامنا، لعموم البلاء بالوباء، فيكون الالتزامُ بما تقرّره الجهات المختصّة فيما يتعلّق بحفظ النفس ملزم للجميع.
والشفاء - كما ذكرنا - ليس في الشبابيك أو الجدران الموجودة في هذه المراقد حتى نلزم بالحضور عندها، وإنما هو بالتوسل بجاه هذه الذوات المقدّسة التي اشتملت عليها هذه القباب والأماكن، والتوسل لا ينحصر بالحضور عندها أو التوسل بها من مكان بعيد عنها، فكلا الأمرين جائزان، والتزاحم بين استحباب الحضور في المراقد ووجوب حفظ النفس من خطر الوباء يحتّم علينا الالتزام بالواجب حتى يزاح الخطر عن المؤمنين، فهذه الشبهة واهية من الأساس وتنم عن جهل بعقيدتنا في التوسلِ بالأئمة "عليهم السلام"..
وسيرتفع الوباءُ وخطرُهُ عَنْ المؤمنين جميعهم - بإذن الله - ببركة التوسل بالأئمة (عليهم السلام) من أيّ مكان في هذه الأرض وبالمواظبة على قراءة زيارة عاشوراء، فإن هذا من المجرّبات المؤكّدة في هذا الجانب.