أن الدين فضلا عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها من وجود الله سبحانه. ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها أو معونتها للإنسان.
إن مضامين النصوص الدينية تتضمن أمورا مخالفة لما يكشف عنه العلم فيما يتعلق بالحقائق الكونية والتاريخية والنفسية والاجتماعية، مثل ادعاء كون الأرض مسطحة، ومركزية الأرض للكون، ونشأة الكون منذ بضعة آلاف سنة إلى غير ذلك. وهذا بنفسه مجافاة للدين مع العلم، على أنه يؤدي إلى سد باب البحث العلمي حول تلك الأمور والصواب: أن الملاحظ - بعد تبع تلك الموارد والتأمل فيها - أن الأمر فيها لا يخلو عن احدى حالتين
الأولى: عدم بلوغ الفكرة المنسوبة للعلم حد الحقائق الثابتة لتدل على خطأ مضمون النص
والثانية: عدم ثبوت المضمون المجافي للعلم في الدين أصلا، وذلك لأحد أمرين..
(الأول): عدم ثبوته في نفسه وذلك بأن يكون النص غير قطعي - ولو من جهة نقله بمعناه - فيحتمل إضافة بعض الناقلين له جزءا من المعلومات التي كانوا يعتقدون بحقانيتها، کما يقع ذلك في مقام نقل الإنسان للحكايات والقصص؛ حيث يملا بعض الفراغات التي يشعر بها أو التي نسي ما كان يملؤها، ويرفع بعض وجوه الإبهام بتوضيحات من نفسه
الثاني): عدم دلالة النص على المعنى المجافي للعلم كما لو كانت هذه الدلالة غائمة وغير بينة، وتكون قناعة المفسرين للنص في العصور السابقة مبنية على ثقافتهم وأدواتهم العلمية، فتلقي ذلك جزءا من المعنى المنصوص من غير أن يكون كذلك فعلا.
المصدر/ اتجاه الدين في مناحي الحياة، محمد باقر السيستاني، ص51-52