بقلم: القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي

إن وجود الأديان يعني بالضرورة وجود أماكن للعبادة وهو أمر بديهي ‏ذلك ان العقيدة الدينية أياً كانت، لابد لها ان تقتضي من المؤمن بها ممارسة ‏المظاهر المعبرة عنها، وهذه الممارسة إنما تكون في مكان يختاره الإنسان ‏لهذا الغرض بشكل دائم أو مؤقت كما أن التواجد في هذه الأماكن يوفر ‏للإنسان فرصة التقرب من الله سبحانه وتعالى.

إن موضوع الحماية ‏القانونية للأماكن الدينية المقدسة له أهمية كبيرة لما لهذه الأماكن من أهمية ‏تتمثل في التأثير الإيجابي الذي تتركه في المجتمعات المحيطة بها وذلك ‏لإرتباطها بمعتقدات تلك الشعوب ما يخلق تلاحماً روحياً، وقد نصّ ‏الدستور العراقي النافذ لعام 2005 على حرمة الأماكن الدينية إذ نصت ‏المادة (10) على إن "العتبات المقدسة والمقامات الدينية في العراق ‏كيانات دينية وحضارية وتلتزم الدولة بتأكيد وصيانة حرمتها وضمان ‏ممارسة الشعائر بحريّة فيها"، كما نصّ على حرية العقيدة كذلك في ‏المادة (43)، حيث نصّت "لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة"، ‏يضاف الى ذلك، كَفَل الدستور العراقي حرية العبادة وأماكنها وحق إتباع ‏كل دين او مذهب في ممارسة الشعائر الدينية والأماكن المقدسة هي التي ‏تدفع الإنسان الى زيارتها مصحوباً بشعور عميق بإنه في هذا المكان على إاتصال روحي بالله عز وجل وإن فلذة من حياته الروحية قائمة في هذه ‏الأماكن وإنه وإن بعد عنها بجسمه فإن الروح تظل تهفو إليها وإنه مهما أدى الإنسان فروض الصلاة في العبادة فإن نفسه لا تطمئن حتى يذهب ‏اليها.

وقد عرفت المادة الأولى من نظام العتبات المقدسة إن العتبات ‏المقدسة هي التي تضم أضرحة الائمة "عليهم السلام" بما تدور عليه أسوار ‏الصحن في الروضة الحيدرية في النجف الاشرف، والروضتيّن الحسينية ‏والعباسية في كربلاء، والروضة الكاظمية في بغداد، والروضة العسكرية في ‏سامراء، ومراقد الائمة من آل البيت التابعة لتلك الرياض سواء كانت داخل ‏سور الروضة او خارجه،  أما قانون إدارة العتبات المقدسة رقم (19) لسنة ‏‏2005، فقد عرّف العتبات المقدسة في المادة الثانية منه والتي جاء فيها، إن "العتبات المقدسة هي العمارات التي تضم مراقد أئمة أهل البيت (عليهم ‏السلام) والبنايات التابعة لها في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء ‏ويلحق بها مرقد العباس (عليه السلام) في كربلاء".‏ ‏

لقد خصّ المشرّع العراقي الأماكن الدينية بحرمة الإعتداء عليها بأن جرّم ‏الأفعال التي من شأنها المساس بهذه الاماكن وذلك في سبيل حماية هذه ‏الحرمة حيث نصت المادة (372) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) ‏لسنة 1969 المعدل على: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات ‏أو بغرامة لا تزيد على مائتي ألف دينار كل من:

1- من إعتدى بإحدى ‏طرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية او حقر من شعائرها. 

2- من تعمّد التشويش على إقامة شعائر طائفية دينية أو على حفل او إجتماع ديني أو تعمّد منع أو تعطيل إقامة شيء من ذلك. 

3- من خرّب أو أتلف أو شوّه أو دنّس بناءً معداً لإقامة شعائر طائفية دينية أو رمزاً او ‏شيئاً آخر له حرمة دينية.

4- من طبع ونشر كتاباً مقدساً عند طائفة دينية إذا ‏حرّف نصه عمداً تحريفاً يغيّر من معناه أو إذا إستخف بحكم من أحكامه أاو من تعليماته.

5- من أهان علناً رمزاً أو شخصاً هو موضع تقديس أو ‏تمجيد أو إحترام لدى طائفة دينية.

6- من قلّد علناً ناسكاً أو حفلاً دينياً ‏بقصد السخرية منه. 

أما في قانون مكافحة الارهاب العراقي رقم (13) لسنة ‏‏2005 فإنه لم يشر الى أماكن العبادة في مواده بشكل صريح إلا أنه أشار وضمن تعداد الأفعال الإرهابية في المادة الثانية منه بأن أعمال ‏العنف التي تقع على الاماكن الدينية وبالتالي تعد أعمال العنف والتهديد ‏التي تطال الأماكن الدينية من ضمن الأفعال الإرهابية وقد جرّم التشريع ‏العراقي مظاهر التحريض على الطوائف الدينية أو إثارة الفتن ‏والنعرات فيما بينها وإعتبرها من الجرائم المخلة بالنظام العام والماسّة ‏بالأمن الداخلي، وإن الأماكن المقدسة هي الأماكن المباركة والمطهّرة ‏والمعتبرة كذلك من قبل الأديان السماوية  وإن المصلحة من حماية ‏المشرّع العراقي للأماكن الدينية المقدسة وذلك لإرتباط هذه الأماكن ‏بالشعور الديني فإن حماية المشرّع العراقي لهذا الشعور تقوم على قيمة ‏الأديان من الوجهة الإجتماعية بوصفها مصلحة يخضعها القانون للحماية.