لم تدخل "فاطمة بنت حزام الكلابية" تاريخ الإسلام والإنسانية من أوسع أبوابه لمجرد زواجها من وصي رسول الله وأفضل الخلق من بعده علي بن أبي طالب "صلوات الله عليهما" وحسب، وإنما كانت هي بذاتها مناراً مضيئاً في العلم والفضيلة والوفاء غير المحدود.
هذه السيدة التي إقترن بها أمير المؤمنين "عليه السلام" بعد وفاة فاطمة الزهراء "عليها السلام" بعد إستشارته لأخيه النسابة، عقيل بن أبي طالب، قد طلبت من زوجها الإمام المعصوم وهما في بداية حياتهما أن لا يناديها بإسمها "فاطمة" لئلاّ يتذكّر الحسنانِ أمَّهما فاطمة "صلوات الله عليهم أجمعين" فتُجرَح مشاعرهما، وبهذا غلبت كنية "أم البنين" على إسمها حتى قبل أن تلد أياً من أقمارها الأربعة الميامين.
تسمية "أم البنين" التي كان يناديها بها أمير المؤمنين في الدار قبل وبعد أن أكرمت الإسلام ببنيها أنصار سبط رسول الله حتى آخر أيامه المباركة، لم تكن حصراً بها أو حالةً منفردة في النسب الكريم الذي تنتمي إليه، بل جاءت تشبّهاً وتيمّناً بجدّتها "ليلى بنت عمرو بن عامر بن ربيعة" التي أنجبت بدورها خمسة أبناء من خيرة القوم، أكبرهم "أبو براء" الملقب بـ "مُلاعب الأسنّة" لشدة شجاعته، مما يؤكد وبما لا يدع مجالاً للتحليل، مقدار الفخر والأصالة اللذان تحملهما كريمة الإمام علي "عليه السلام" والذي جسّده إبن عمومتها الشّاعر "لبيد بن ربيعة" في قصيدةٍ أمام النعمان ملك الحيرة متفاخراً بنسبه ومشيراً إليها بالقول:
نـحن بنو أُمّ البنين الأربـعة
ونـحن خيرُ عامر بنِ صعصعة
الضّـاربونَ الهامَ وسطَ المجمعة
وإذ تمرّ علينا في هذه الأيام، الذكرى الأليمة لوفاة "فاطمة الكلابية" التي دخلت بيت العصمة الإمامية محملةً بغزير العاطفة والحنان لأيتام أمير المؤمنين "سلام الله عليهم أجمعين"، فلا بدّ هنا من منحها جزءاً مما أنعمت به هذه المرأة الطاهرة على نساء العالمين في جميع العصور، من مثل أعلى للوفاء لآل رسول الله كونها أول من إمتثلت لوصية النبي "صلى الله عليه وآله" التي جاءت في كلام الله "عز وجل" بالآية الكريمة ﴿قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى﴾.