ان الدين فضلاً عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها -من وجود الله سبحانه ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق-يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذٍ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها او معونتها للإنسان.

كان الإمام علي (عليه السلام) ففي كلام له في معاوية: (واللهَّ مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى؛ مِنِّي، ولَكِنَّه يَغْدِرُ ويَفْجُرُ، ولَوْلَا كَرَاهِيَةُ الْغَدْرِ لَكُنْتُ مِنْ أَدْهَى النَّاسِ، ولَكِنْ كُلُّ غُدَرَةٍ فُجَرَةٌ، وكُلُّ فُجَرَةٍ كُفَرَةٌ، ولِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُعْرَفُ بِه يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

وقال (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر -بعد تحذيره من الأعداء -: (وإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وبَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً، أَوْ أَلْبَسْتَه مِنْكَ ذِمَّةً، فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ، وارْعَ ذِمَّتَكَ بِالأَمَانَةِ، واجْعَلْ نَفْسَكَ جُنَّةً دُونَ مَا أَعْطَيْتَ؛ فَإِنَّه لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللهَّ شَيْءٌ، النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْه اجْتِمَاعاً، مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ، وتَشَتُّتِ آرَائِهِمْ، مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ، وقَدْ لَزِمَ ذَلِكَ المْشْرِكُونَ فيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ المْسْلِمِينَ؛ لمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ؛ فَلَا تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِكَ، ولَا تَخِيسَنَّ بِعَهْدِكَ، ولَا تَخْتِلَنَّ عَدُوَّكَ؛ فَإِنَّه لا يَجْتَرِئُ عَلَى اللهَّ إِلَّا جَاهِلٌ شَقِيٌّ، وقَدْ جَعَلَ اللهَّ عَهْدَه وذِمَّتَه أَمْناً أَفْضَاه بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِه، وحَرِيماً يَسْكُنُونَ إِلَى مَنَعَتِه، ويَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِه؛ فَلَا إِدْغَالَ، ولَا مُدَالَسَةَ، ولَا خِدَاعَ فِيه، ولَا تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيه الْعِلَلَ، ولَا تُعَوِّلَنَّ عَلَى لحْنِ قَوْلٍ بَعْدَ التَّأْكِيدِ والتَّوْثِقَةِ، ولَا يَدْعُوَنَّكَ ضِيقُ أَمْرٍ لَزِمَكَ فِيه عَهْدُ اللهَّ إِلَى طَلَبِ انْفِسَاخِه بِغَيْرِ الحَقِّ؛ فَإِنَّ صَبْرَكَ عَلَى ضِيقِ أَمْرٍ تَرْجُو انْفِرَاجَه وفَضْلَ عَاقِبَتِه خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ تَخَافُ تَبِعَتَه، وأَنْ تُحِيطَ بِكَ مِنَ اللهَّ فِيه طِلْبَةٌ، لا تَسْتَقْبِلُ فِيهَا دُنْيَاكَ ولَا آخِرَتَكَ ).

المصدر / محمد باقر السيستاني، اتجاه الدين في مناحي الحياة، ص، 222.