مشكلة التصحر اسبابها وسبل مكافحتها
م.م مالك رحيم عبد زيد يدام
يعرف التصحر بأنه زحف المظاهر الصحراوية باتجاه المناطق الرطبة وشبه الرطبة , كما يعرف بأنه عملية إفقار وتدهور للنظام البيئي وهو بذلك يختلف عن الصحراء التي يقصد بها الأرض الجرداء القاحلة التي تعاني من العجز في الرطوبة ولقد اشتقت كلمة صحراء من كلمة المكان المهجور باللغة اللاتينية وأسبابها طبيعية بحتة ، إذ أن اكبر صحاري العالم تعود إلى أسباب مناخية ، لم يكن للإنسان دور في وجودها , وهي تعود إلى آلاف السنين ، كالصحراء الكبرى في أفريقيا التي تعد من اكبر صحاري العالم وتحدث ظاهرة التصحر في البيئات الجافة وشبه الجافة على وجه الخصوص ,كما قد تحدث في المناطق شبه الرطبة والرطبة إذا توفرت أسبابها ونتيجة لخطورة التصحر وزيادة رقعة الأراضي المتصحرة ، أنتبه العالم الى هذه الظاهرة فتم عقد المؤتمرات ، كمؤتمر الأمم المتحدة عن التصحر في نيروبي بكينيا عام ۱۹۷۷ ، وحدد المؤتمر أربع درجات للتصحر هي:
- التصحر الخفيف وفيه يكون تدمير طفيف وموضعي في الغطاء النباتي وتوجد هذه الدرجة من التصحر في المناطق الصحراوية حيث يكون تراجع طفيف في الغطاء النباتي وكذلك تتواجد في بعض الأراضي الزراعية متمثلة في بدء تراكم الأملاح، أو تغير طفيف في مواصفات بنية التربة.
- التصحر المعتدل وفيه يحدث تلفا متوسطا للغطاء النباتي، وتعرية وانجراف بسيط للتربة، تنشأ عنها بعض الكثبان الرملية أو الأخاديد، مع زيادة ملوحة التربة، ويترتب على مثل هذه الدرجة من التصحر انخفاض إنتاجية التربة الزراعية بنسبة ۲۰ %، ويمثل التصحر المعتدل المرحلة الحرجة التي يجب أن يبدأ عندها إتباع أساليب مكافحة التصحر.
- التصحر الشديد في هذه الدرجة من التصحر يزداد نشاط انجراف التربة بفعل الرياح والماء وتتعري التربة وتتكون الأخاديد الكبيرة، وتزداد ملوحة الأرض، وتنخفض إنتاجيتها الزراعية بنسبة 50 %، وتنتشر الحشائش والشجيرات غير المطلوبة على حساب الأنواع المرغوبة، وفي هذه المرحلة من التصحر يمكن استصلاح التربة، ولكن بتكاليف باهظة.
- التصحر الشديد جدا هو أقصى درجات التصحر وتدهور النظام البيئي الذي يمكن أن يبلغهما، إذ تصبح الأرض جرداء، وتتحول إلى كثبان رملية أو أودية أو مناطق صخرية عارية، وكذلك تتملح التربة بدرجة عالية، وتفقد قدرتها الإنتاجية، وفي هذه المرحلة من التصحر تتحول الأراضي إلى صحار حقيقية، وتصبح عملية استصلاحها صعبة وغير اقتصادية.
اسباب التصحر:
تتعدد وتنوع عوامل التصحر في المناطق المختلفة، ولكنها تنحصر في جملة من العوامل الطبيعية والأنشطة البشرية، أهمها ما يلي:
اولا: الأسباب الطبيعية التي تلعب دورا مهما في حصول ظاهرة التصحر بما يأتي
- قلة الأمطار وتذبذبها: إن ما تتصف به المناطق الجافة وشبة الجافة هو قلة الأمطار الساقطة، وتذبذبها، وربما تمتنع الأمطار لفترة زمنية طويلة من السقوط، الأمر الذي يجعل المنطقة فقيرة بنباتها الطبيعي، والتربة تكون غير متماسكة لجفافها، وهذا يجعلها سهلة أمام عملية التعرية التي تنشط في تلك البيئات.
- الفيضانات المفاجئة: رغم أن قلة الأمطار هي سمة المناطق الجافة وشبه الجافة، إلا أنه أحيانا تسقط أمطارا غزيرة غير متوقعة تسبب فيضانات مفاجئة تعمل على جرف التربة وهلاك الكثير من الماشية والرعاة
- ارتفاع درجات الحرارة والمدى الحراري اليومي والسنوي: إن معظم الأراضي المتصحرة يتصف مناخها بارتفاع درجات الحرارة، والذي يترتب عليها ارتفاع كمية التبخر من التربة، وقلة فاعلية الأمطار الساقطة، وانخفاض الرطوبة النسبية، وهذا يؤدي إلى قلة أو انعدام النبات الطبيعي، كما إن ارتفاع المدى الحراري اليومي والسنوي تعد صفة مناخية تتصف بها معظم المناطق الجافة وشبه الجافة، وهذا يؤدي إلى تفتت التربة ويضعف من تماسكها.
- سرعة الرياح وجهة هبوبها: كلما كانت الرياح سريعة وقادمة من جهات جافة، كانت أقدر على انتزاع جسيمات التربة ونقلها بطرق الزحف للجسيمات الكبيرة مثل الرمال، والقفز للجسيمات الأصغر مثل الرمال الصغيرة، والتعلق للجسيمات الصغيرة جدا من الأتربة والغبار.
- تعد التربة المنقولة بالرياح والتي تحتوي على مواد غذائية تفيد النباتات، وبنقلها تصيح تربة المناطق الأصلية فقيرة لها، لان التربة الباقية تكون غير خصية وفقيرة التركيب، فتقل كثافة الغطاء النباتي لبعض المواقع التي تذرو الرياح تربتها.
ثانيا: الأسباب البشرية رغم ما ذكر من أسباب طبيعية ودورها في حدوث التصحر إلا أن الأسباب البشرية لا تقل عنها شأنا، لذا يمكن إيجازها على النحو الآتي:
- إزالة الغطاء النباتي: إن تعرض الغطاء النباتي لعملية الإزالة، لحساب النشاط البشري واستخدامات الإنسان المختلفة، جعل الأرض معرضة لخطر التصحر، وذلك لحرمان التربة من غطاءها النباتي الذي كان يوفر لها الحماية من مشكلة التعرية والانجراف.
- زراعة المناطق الحدية: المناطق الحدية هي المناطق المتذبذبة الأمطار، التي تصلح كمراع طبيعية، إلا إنها أحيانا تستلم من الأمطار ما يكفي لزراعتها، فتغري المزارع على التوسع الزراعي وفي بعض السنوات تقل الأمطار عن متطلبات المحاصيل الزراعية، فتصاب بأضرار كبيرة، وربما تحبس الأمطار عن السقوط فتؤدي إلى حرمان المنطقة من الغطاء النباتي بعد زراعته، كما يعرض تربتها للتعرية الريحية، بعد أن تم حراثة تربتها، وفقدت رطوبتها.
- ري المزروعات بأكثر من متطلباتها : لايزال كثير من الفلاحين يحمل فكرة خاطئة وهو أن إعطاء المزيد من الماء للنباتات يعطي إنتاجا أفضل كما ونوعا ، والحقيقة عكس ذلك إذ أن إعطاء النباتات أكثر من متطلباتها المائية يزيد من قلوية التربة ، ويعرضها للتصحر ، لان هذه المياه الزائدة عن حاجة النبات تتعرض إلى التبخر تاركة ما تحمله من أملاح في التربة ، كما إن المياه الكثيرة تسبب تغدق التربة ، وضعف التهوية ، مما يعود بالضرر على النبات ، وهذا يبدو واضحا في المناطق القليلة الانحدار أو المستوية السطح ، وكذلك إن كثرة المياه تصيب النباتات بالآفات مما يؤثر سلبيا على إنتاجية النباتات من الثمار ، بسبب تدني قدرة الأرض الإنتاجية
- الرعي الجائر: هو عدم قدرة المرعى على إعالة أعداد الحيوانات التي ترعى فيه، فضلا عن قيام الماعز بقلع نباتات المرعى من جذورها، مما يؤثر سلبيا على المرعى، إذ تقل نباتات المرعى تدريجيا مما يحولها إلى ارض جرداء، لاسيما إذا رافق ذلك قلة الأمطار الساقطة أو انعدامها
- : الحراثة العمودية: يبرز هذا العامل على وجه الخصوص في المناطق المرتفعة، إذ تتعرض التربة إلى عملية التعرية والانجراف، لاسيما بعد سقوط الأمطار، وذلك لان أسلوب الحراثة العمودية يأتي منسجما مع انحدار الأرض، وهذا يمهد لحصول التصحر، بعد تجريد المنطقة من تربتها
- الزحف العمراني : هي مشكلة تعاني منها كثير من دول العالم ، لاسيما النامية منها ، كالعراق إذ يكون التوسع العمراني على حساب الأرض الزراعية ، مما يؤدي إلى حرمان الزراعة من الأراضي الخصبة ، فضلا عن ذلك إن الزحف العمراني يرافقه تكون بيوت من الاسمنت والحديد ، وشوارع مبلطة بالإسفلت والقير ، مما يجعل هذه المناطق ذات مناخ محلي يختلف عما كان سائدا قبل الزحف العمراني ، حيث يرافق ذلك ارتفاع درجات الحرارة ، وانخفاض نسبة الالبيدو ، وانخفاض نسبة الرطوبة ، وزيادة التبخر ، وهذا يزيد من الأراضي المتصحرة على حساب الأرض الزراعية
- النمو السكاني: إن ما تتصف به كثير من مناطق دول العالم الثالث والواقعة ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة هو ارتفاع معدلات النمو السكاني، وهذا يستدعي استغلال المزيد من الأراضي سواء في الزراعة أو الرعي أو الصناعة أو التعدين مما يجعل الإنسان يتجه نحو المناطق الرعوية واستغلالها استغلالا كثيفا منهكا للتربة وبالتالي يؤدي إلى فقدان توازنها البيئي الذي كان سائدا، وجعلها ضمن المناطق المتصحرة.
- التلوث: يعد التلوث من الأسباب البشرية الحديثة والناتجة عن مخلفات الأنشطة البشرية المختلفة ورميها في العراء، مما يفقد الثرية خواصها الاعتيادية فيجعلها من المناطق المتصحرة
الآثار المترتبة على التصحر: تعددت الأثار المترتبة على مشكلة التصحر في العالم، ويمكن ذكر أبرزها في النقاط التالية
- تراجع التنوع الحيوي لعدم ملاءمة الظروف البيئية المستجدة لبعض النباتات والطيور والحيوانات التي تضطر إما إلى الهجرة او التكيف او ان تفقد صراعها من اجل البقاء.
- تدهور التربة من خلال تعرضها للانجراف، أو الجفاف والتملح، او تشبعها بالماء عند الري المفرط او الغدق الماني بالإضافة الى تراجع إنتاجيتها الحيوية والزراعية بسبب فقدان خصوبتها، كما يعمل التصحر على تلوث التربة نتيجة من اضافة مواد غازية أو سائلة أو صلبة سائلة من مصادر تعدينية أو صناعية أو زراعية أو الترسيب الريحي او المائي.
- تدهور الغطاء النباتي وما ينتج عنه من آثار سلبية تناول التنوع الحيوي، والحياة البرية النباتية والحيوانية، ومصادر المياه والمناخ المحلي والرطوبة ودرجات الحرارة والرياح وانجراف للتربة
- اضطراب العمليات الجيومورفولوجية، كعمليات ألحت والترسيب الارضي والريحي.
- تغير معالم سطح الأرض العامة وتراجع عوامل جذبها للاستعمالات الأرضية المختلفة بما فيها الجذب السياحي.
- تملح وتراجع منسوب المياه الباطنية بسبب المضخ المفرط وتراجع معدلات التغذية المائية
- تلوث الهواء بسبب ما تضيفه المصانع او المخصبات الزراعية من غازات ومواد سامة.
- حدوث بعض الأخطار البينية، كالانهيارات الأرضية والعواصف الرملية والغبارية وزحف الرمال
- بروز بعض المشكلات السكانية كنقص الغذاء والمجاعات والفقر والمرض والهجرة.
- شوء بعض المشكلات السياسية بين بعض الدول بسبب الهجرات السكانية او بسبب التنافس في استعمال بعض الموارد الطبيعية المشتركة، كالأنهار والبحيرات.
- هجر بعض المواقع الاستثمارية إثر نضوب مواردها الاقتصادية، كما هو الحال بالنسبة لمدن الأشباح التي نشأت عند مناجم تعدين الذهب في الغرب الصحراوي
- اختفاء بعض الصناعات والحرف التقليدية اليدوية من بعض المناطق المتصحرة كالتي ترتبط بحرفة الرعي أو الفلاحة الريفية، مثل صناعة البسط والسجاد والملابس التقليدية الريفية والأدوات المنزلية الفخارية والمعدنية.
- الاعتماد على الاستيراد أو المساعدات الأجنبية أو المديونية في تغطية احتياجات سكان المناطق المتصحرة من المنتجات التعدينية او الصناعية أو الزراعية، وبخاصة الغذائية منها.
سبل مكافحة التصحر
يوجد العديد من الطرق والسبل الكفيلة بمعالجة التصحر التي يمكن ذكرها على النحو الآتي:
- الحفاظ على النبات الطبيعي، والاستخدام العقلاني له، لحماية التربة من خطر الانجراف والتعرية.
- إنشاء مبازل في المناطق ذات الانحدار القليل، أو الأراضي المستوية التصريف المياه الزائدة عن حاجة النبات، والحيلولة دون ارتفاع المياه الباطنية.
- استعمال الرعي المنظم، والحد من استعمال الرعي الجائر
- ترك الأراضي الحدية أو الهامشية كمناطق لرعي الحيوانات بصورة منظمة
- استخدام الزراعة الكنتورية أو الشريطية أو زراعة المدرجات في المناطق المرتفعة والمنحدرة وفقا لدرجة الانحدار، للحفاظ على التربة من الانجراف.
- استخدام وسائل الري الحديثة في الزراعة كالري بالتنقيط، والري بالمرشات، وفقا لمقننات النبات المائية، لتجنب الهدر في المياه، وعدم إعطاء النباتات أكثر من حاجتها
- تثبيت الكثبان الرملية، أو منعها من الوصول إلى الأراضي الزراعية، سواء بعمل الأسيجة النباتية، أو باستخدام طرق أخرى كحفر الخنادق. والجداول أمام تحرك الكثبان الرملية، أو تغطيتها بالحجارة، أو رشها بالزيت ومواد بترولية أخرى تحد من حركتها، كما يمكن استخدام مواد كيميائية كمحلول كلوريد الكالسيوم، لزيادة تماسك ذرات التربة، أو استخدام مادة الكوروسول في تثبيت الكثبان الرملية، إذ تكون هذه المادة محلولا بلاستيكيا غرويا عند خلطها بالماء، مكونة طبقة بلاستيكية مطاطية شفافة عديمة الضرر بالنيات، لأنها مسامية تسمح للبذور المطمورة والنباتات من التنفس وحصولها على مياه الأمطار
- الاهتمام بالبناء العمودي، ومنع قيام المنشآت المدنية في الأراضي الزراعية الخصبة
- تجديد خصوبة التربة بإتباع أسلوب الدورة الزراعية، واستخدام الأسمدة العضوية، ومكافحة الآفات الزراعية، لاسيما إتباع طريقة المكافحة الحيوية أو المتكاملة
- عدم رمي الأنقاض ومخلفات الأنشطة البشرية في الأراضي الزراعية والرعوية، وسن القوانين التي تكفل ذلك
- استخدام النفايات والأنقاض والمخلفات البشرية في توليد الطاقة الكهربائية واستخراج السوائل المفيدة منها كالميثانول والميثان بدلا من رميها في الأراضي الزراعية والرعوية، انسجاما مع دول العالم المتطورة
- معالجة التربة وغسلها من الأملاح
- تحديد النمو السكاني، لاسيما في الدول النامية، وتحديدا التي تقع في المناطق الجافة وشبه الجافة، حيث تكون الأرض الزراعية والرعوية محدودة نماذج في مكافحة التصحر
- نشر الوعي البيئي بين المواطنين خاصة المزارعين واصحاب المواشي والرعاة.
ليس بالضرورة ان يمثل المقال رأي الموقع ، انما يمثل رأي كاتبه .