ليست كربلاء مجرد رقعة من الأرض، بل هي شاهد خالد على عمق التاريخ وقداسة الرسالة، فبحسب الروايات الإسلامية المتواترة، يعود ذكرها إلى العصور السحيقة، قبل أن يُخلق الإنسان، وقبل أن تخطّ البشرية أولى أسفارها في الوجود.
وفي رواية مؤثرة للإمام محمد الباقر "عليه السلام"، أنه قال "ما زالت كربلاء قبل أن يخلق الله الخلق مقدسةً مباركة، ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة، يسكن فيها أولياءه"، فهل هناك شهادة أبلغ من هذه على قِدَم هذه الأرض وعظمتها؟
كما سلط العلامة الشيخ العاملي في تفسيره، الضوء على رمزية كلمة "كربلاء"، فيربطها بالآية القرآنية "كهيعص" حيث وصف "الكاف" بأنه يمثل كربلاء، و"الهاء" بهلاك العترة الطاهرة، و"الياء" بيزيد الطاغية، و"العين" بالعطش الذي ألمّ بأهل البيت، و"الصاد" بصبرهم الأسطوري.
هذا ولم تكن كربلاء غائبةً عن وعي النبوة، فعندما سألت السيدة الزهراء "عليها السلام" أباها النبي "صلى الله عليه وآله" عن مقتل ولدها الحسين، قال "في موضع يُقال له كربلاء، وهي ذات كرب وبلاء علينا وعلى الأمة".
أما أمير المؤمنين علي "عليه السلام"، فقال "يقبر ابني بأرض يُقال لها كربلاء، وهي الموضع الذي نجّى الله فيه المؤمنين مع نوح (عليها السلام)"، مما يربط هذه البقعة المقدسة بنجاة البشرية في زمن الطوفان، ويثبت قِدم اسمها وأهميتها الإلهية.
عرفت كربلاء في مراحل مختلفة من التاريخ بتسميات عدّة، منها "عمورا"، التي وردت في المصادر كمكانٍ مخصص للتعبد، وقد ارتبطت هذه التسمية برواية نقلها قطب الدين الراوندي عن الإمام الباقر "عليه السلام"، قوله "إنها أرض قد التقى فيها النبيّون وأوصياء النبيين".
وهكذا، كانت "عمورا" ملتقى الأرواح الطاهرة، وتحوّلت فيما بعد إلى "كربلاء"، أرض التضحية الكبرى.
تُذكر تسمية "العقر" في بعض المصادر، كأحد المواضع القريبة من كربلاء، لكنها لم تكن يوماً اسماً أصيلاً لها. وقد ورد أن الإمام الحسين "عليه السلام" استعاذ بالله عند ذكر اسم "العقر"، ما يدل على عدم تقبله لها، وتأكيده على خصوصية اسم كربلاء الذي ارتبط بالشهادة والصبر الإلهي.
تتعدد الروايات، وتتعمق التأويلات، لكن الحقيقة الراسخة تبقى أن كربلاء ليست مجرد أرض، بل رسالة، وبقعة اصطفاها الله لتكون شاهدة على أعظم فصول الصراع بين النور والظلام.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية، المحور التاريخي، قسم التاريخ القديم، ج1، 2017، ص33-36.