انتقل الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) إلى كربلاء المقدسة خلال عهد الخليفة العباسي المهدي، وذلك بين عامي 162هـ و165هـ، لزيارة قبر جده الإمام الحسين (عليه السلام)، وأقام في كربلاء مدة تزيد عن سنتين، حيث لم يسكن في دار أبيه على نهر العلقمي، بل بنى داره ومدرسته في موضع يقع بين الحرمين الشريفين، في الجهة الشمالية الشرقية من الروضة الحسينية، وغرب مرقد أخيه العباس بن علي (عليه السلام).
وخلال فترة إقامته، تصدى الإمام الكاظم (عليه السلام) لنشر علوم الفقه والحديث، فكانت مدرسته امتداداً لمدرسة والده الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، وقد توافد عليه طلبة العلم والعلماء من مختلف الأرجاء، لينهلوا من معينه العلمي الغزير، مما أدى إلى ازدهار الحركة العلمية في كربلاء، وتحولها إلى مركز علمي كبير جذب إليه المحدثين والرواة والفقهاء.
في عهد الخليفة المهدي العباسي ثم الهادي العباسي (169هـ-170هـ)، شهدت مدينة كربلاء المقدسة فترة من الهدوء النسبي، مما ساهم في زيادة حركة الزوار والمجاورين للحائر الحسيني، وعلى رأسهم العلماء والمحدثون الذين أقاموا بالقرب من المرقد الطاهر، وقد ساهم وجود الإمام الكاظم (عليه السلام) في دفع جامعة كربلاء الكبرى نحو تقدم علمي بارز، حيث توسعت أركانها وازدهرت بفقهاء بارعين، ما جعلها أحد المراكز العلمية الرائدة في ذلك العصر.
لم يدم بقاء الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) في كربلاء طويلاً، نظراً لقربها من مركز الحكم العباسي في بغداد، وخضوعها لرقابة السلطة التي سعت إلى فرض قيود مشددة على الشيعة الإمامية ومنع تواصلهم مع أئمتهم،وإدراكا لخطر هذه الظروف، قرر الإمام الكاظم (عليه السلام) مغادرة كربلاء متجها إلى المدينة المنورة، ليكون بعيدا عن مركز الخلافة وتضييقها على أتباع أهل البيت (عليهم السلام).
بعد رحيل الإمام، أصبحت مدرسته وداره في كربلاء مقصداً للزائرين وأحد المقامات المقدسة التي يقصدها المؤمنون للتبرك والدعاء، وقد حُدد موقع هذا المقام اليوم في محلة (باب بغداد)، تحديدا في زقاق السادة المعروف بـ (عكَد السادة)، الذي يقطنه العديد من أحفاد الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) من السادة الموسويين، وعلى واجهة المقام نُقشت أبيات شعرية تعكس ارتباط هذا المكان بالإمام وأحفاده، ومنها:
موسى بن جعفر كلما جاءنا
إلى هـنا برغبـة يسكـن
من حولـه أحفاده قد أتوا
صاروا له من حوله مسكـن
راجع
سعيد رشيد، كربلاء تاريخاً وتراثاً، من إصدارات مركز كربلاء للدراسات والبحوث،2018،ص28
زين العابدين سعد عزيز