عرفت مدينة كربلاء مهنة التصوير منذ عشرينيات القرن الماضي، حيث شكّل المصورون جزءًا لا يتجزأ من المشهد الاجتماعي والإداري في المدينة. وكان تواجدهم ملحوظًا في أماكن حيوية، لا سيما قرب كتاب العرائض ومداخل الدوائر الرسمية مثل المحاكم، الأحوال المدنية، دائرة الجنسية والسفر، دائرة المعارف، ومراكز التجنيد.
في تلك الحقبة، لم تكن الدوائر الحكومية تقبل الصور الملتقطة بالكاميرات الحديثة، بل كانت تطالب بصور "شمسية"، أي صور التُقطت باستخدام الكاميرات التقليدية التي تُظهر ملامح الشخص كما هي، دون تعديل أو تحسين.
أدوات بسيطة وتعقيد في ممارسة المهنة
اعتمد المصورون على كاميرا بدائية تُعرف محليًا بـ"القمرة" أو "الحجرة المظلمة"، وهي صندوق خشبي صغير مغطى بقطعة قماش داكنة، يستند على ثلاثة قوائم خشبية، مع كرسي بسيط للزبون وخلفية سوداء تُثبت خلفه. كانت الكاميرا تحتوي على عدسة أمامية تُنقل من خلالها صورة الزبون إلى ورقة حساسة (فيلم)، بينما يدخل المصور رأسه تحت الغطاء الأسود لضبط زاوية التصوير بدقة.
روّاد المهنة في كربلاء
يُعد المرحوم محمد كاظم الهندي أول مصور معروف في كربلاء، وبدأ عمله في عشرينيات القرن الماضي في بداية سوق العباس بالقرب من شارع علي الأكبر. ومن الطرائف الكربلائية في ذلك الوقت أنّ النساء كنّ يُفضّلن مصورًا تركيًا كان يعمل قرب المدرسة الإيرانية، نظرًا لأنه "غريب" لا يعرفهن، مما يوفر لهنّ نوعًا من الخصوصية.
تطوّر المهنة في الأربعينيات
مع نهاية الأربعينيات، ظهرت استوديوهات التصوير بالكاميرات الضوئية، وتم تجهيز غرف خاصة بخلفيات ملونة تتنوع بين مناظر طبيعية وصور دينية مثل الأضرحة والكعبة، بل وحتى صور مجسّمة لطائرات وسيارات. كان الأطفال يُصوّرون أحيانًا بملابس عسكرية لإضفاء طابع رمزي أو فكاهي على الصور.
أبرز استوديوهات التصوير في تلك الحقبة
برز في كربلاء العديد من الاستوديوهات الشهيرة، من بينها:
- استوديو الحسن في شارع الإمام علي، وكان يُلقب بـ"مصور الملوك" لالتقاطه صورة للملك فيصل الثاني والوصي، وكان أيضًا مرخّصًا لبيع الأسلحة النارية.
- استوديو جواد في فلكة البلوش، جمع بين التصوير وبيع الطيور النادرة والغزلان.
- استوديو داماد في شارع قبلة الإمام الحسين (ع)، والذي تغير اسمه لاحقًا إلى "استوديو النصر".
- استوديو كربلاء مقابل بريد كربلاء، واستوديو بابل في حائر العباس، واستوديو الجنديل قرب البريد في منطقة ملك بن وشاح.
- كذلك كان هناك استوديو شيك في شارع صاحب الزمان، استوديو أريدو (الذي أصبح لاحقًا "استوديو حياتنا") قرب مقهى الزوراء، واستوديو إسكندر في شارع علي الأكبر (ع) ، إلى جانب استوديوهات أخرى مثل "أسد"، "علي"، "بركات"، و"الشباب".
المصدر: مجلة صدى الروضتين، ع366، 2019، ص 62.