من أعماق التاريخ الكربلائي، ومن قلب الحائر الحسيني، ينبثق مجدٌ عريق يروي سيرة واحدة من أعرق البيوتات العلوية في العراق؛ إنها سيرة "آل الأمير السيد علي الكبير الحسيني الحائري"، الأسرة التي جمعت بين النسب الرفيع، والعلم المتين، والإنجازات الخالدة التي بقيت آثارها حاضرة حتى اليوم.

وُلد الأمير السيد علي الكبير وسط بيئة من العلم والقيادة، فهو نجل الشريف سيف الدين منصور، أحد أبرز علماء البصرة ونقَبائها، وامتدت جذور نسبه حتى الإمام الحسين "عليه السلام"، وتفرعت أغصان أسرته في النجف، وكربلاء، وبغداد، واليمن، والحجاز، فكوّنت مجتمعات علمية وإدارية لا تزال تُذكر بالبِرّ والفضل.

في عام 1140هـ (1727م)، حلّت هذه الأسرة المباركة في كربلاء، بعد رحلة علمية طويلة من البصرة مروراً بالحلة، حيث تفرقت فروعها في الأمصار، فمنهم من استقر في العراق، كآل الجواد وآل العابد، ومنهم من ارتحل إلى اليمن والحجاز، تاركين إرثاً من العلماء، والقضاة، والمحامين، مثل السيد ناجي يوسف الذي شغل منصب نقيب المحامين في بغداد.

لكن نقطة التحول الكبرى في تاريخ الأسرة جاءت مع الأمير السيد علي الكبير، الذي استحق لقبه بجدارة حين التقى ملك الهند "آصف الدولة خان بهادر"، ملك مقاطعة "أوده"، الذي منحه لقب الإمارة وأمدّه بأموال طائلة لتحقيق مشاريعه الإصلاحية، وفي عام 1204هـ (1789م)، عاد الأمير إلى كربلاء ليدشّن حقبة جديدة من العمران والنهضة في المدينة.

من معالم تلك الحقبة أنه شيّد سوراً يحمي المدينة من الغزاة، ودُوراً ومنازل لزوار سيد الشهداء "عليه السلام"، كما أنشأ نهر "الحسينية" الذي نقل الماء من الفرات لسقي الزوار والمزارعين، وساهم كذلك في إيصال الماء إلى النجف عبر نهر الهندية، بتمويل من الملك الهندي نفسه.

ورغم مكانته الإدارية والسياسية، لم يتخل الأمير عن إرثه العلمي؛ فقد أنجب ثلاثة أولاد كان أكبرهم السيد محمد المجتهد، وهو جدّ العلامة السيد هبة الدين الشهرستاني، وأيضاً السيد مهدي الزاهد، والسيد أحمد العابد، حيث تفرعت ذريتهم في العراق وخارجه، وأصبحوا ركائز في ميادين السياسة والدين والتربية.

دفن الأمير بجوار والده سيف الدين منصور في الحائر الحسيني، تخليداً لمسيرة من النضال العلمي والاجتماعي والعمراني، وقد خُلّد نسبه في أهم كتب الأنساب، ومنها "عمدة الطالب" لابن عنبة، و"صدف اللآلي" و"ذرى المعالي" لحفيده السيد هبة الدين الحسيني.

إن قصة آل الأمير السيد علي الكبير، ليست مجرد رواية عائلية، بل هي شهادة على تفاعل التاريخ مع القيم، وعلى قدرة النسب الشريف أن يُنبت مجداً يتجدد مع كل جيل، فمن الحجاز إلى كربلاء، ومن البصرة إلى الهند، تمتد سيرة هؤلاء لتؤكد أن الجذور الطيبة تُثمر حضارة، وأن كربلاء كانت وستبقى، منبعاً للنهضة والكرامة على مر العصور.

المصدر: سلمان هادي طعمة، عشائر كربلاء وأسرها، دار المحجة البيضاء، 1998، ص19-24.