حين جيء بمسلم بن عقيل "رضوان الله عليهما" إلى عبيد الله بن زياد صباحاً ليُضرب عنقه، لم يكن الوقت متاحاً إلا لوصيةٍ أخيرة، لكنها لم تكن وصية للرحيل بل كانت صفعةً للحقيقة.
ففي لحظة ختامية مؤثرة، يخبر مسلم "رضوان الله عليه" أحد الحاضرين حينها "عمرو بن سعيد" قائلاً "إنّ الحسين ومن معه وهم تسعون بين رجل وامرأة في الطريق...".
وهكذا، وبإعتراف في لحظة الاحتضار، تتبدّى حقيقة الرقم الصادم، وهو أنه ليس آلافاً، ولا مئات، بل تسعون فقط، هم كل من سار مع سبط رسول الله "صلوات الله عليهما" من مكة باتجاه الشهادة.
ويؤكد كتاب "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد"، للأستاذ الحاج "عبد الأمير القريشي" إن هذه الشهادة من فم مسلم بن عقيل وهو يواجه الموت، تُعد من أوثق ما نُقل حول عدد الرفاق في اللحظة المفصلية للنهضة الحسينية.
أما المفاجأة الأكبر في هذه الواقعة، أنه لم يكن من هؤلاء التسعين أيّ مكيّ، وهذه ليست المرة الأولى من نوعها ففي معركة الجمل، لم يخرج مع الإمام علي "عليه السلام" مكيٌّ واحد، حيث ويؤكد الإمام السجاد "عليه السلام": "ما بمكة والمدينة عشرون رجلاً يحبّنا".
وهكذا تفضح الكلمات القليلة ما عجزت الأرقام الملفقة عن ستره، إلا أنه وعلى الرغم من توثيق "ابن قتيبة الدينوري" لهذه الحادثة في "مقتل مسلم"، والأدلة الدامغة في مصادر أخرى عديدة، إلا أن المؤرخين الموجّهين تجاهلوها أو سكتوا عنها عمداً، والسبب أنها تهدم كل رواية مضخّمة أرادت تصوير خروج الإمام الحسين على أنه "معركة متكافئة"، أو "تمرّد عسكري".
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص83-84.