ويعدّ هذا الإصدار العلمي الرصين، إضافة نوعية إلى المكتبة العربية والإسلامية، إذ يسلط الضوء على تراث الشيخ "تقي الدين إبراهيم الكفعمي"، أحد أبرز علماء القرن التاسع الهجري في كربلاء المقدسة، والذي عُرف بغزارة علمه وتعدد مؤلفاته التي امتدت بين علوم اللغة والحديث والفقه والأدب.

كما تكشف المؤلفة في دراستها التحليلية هذه، عن منهج الكفعمي في كتابه "رتق الفتوق في معرفة الفروق"، حيث تناول أكثر من (171) فرقًا لغويًا بين ألفاظ ظُنَّ أنها مترادفة، ليثبت أن اللغة العربية أوسع من مجرد التشابه، وأن لكل لفظة معنى خاصًا ودلالة دقيقة ترتبط بالسياق الاجتماعي، والاقتصادي، والشرعي، والنفسي، والنحوي.

تم تقديم الدراسة وفق نظرية الحقول الدلالية، لتعيد تنظيم الألفاظ وتصنيفها في جداول دقيقة بحسب دلالاتها ومعانيها، وتكشف كيف استثمر الكفعمي هذه الفروق لتصوير ملامح الحياة الإنسانية في عصره، ومن بين أمثلة الفروق التي رصدها: (الباقي/الأزلي/الأبدي/السرمدي)، و(النوم/السبات)، و(الأثاث/المتاع)، فضلًا عن ألفاظ شرعية واجتماعية ترتبط بوجدان الإنسان وسلوكه.

يمثل هذا الإصدار قراءة جديدة ومعاصرة لتراث الكفعمي، الذي عُدّ – بشهادة كبار العلماء كالحر العاملي والأميني – عالماً موسوعياً جامعاً بين الأدب والزهد والفقه واللغة، حيث قدمت المؤلفة معالجة منهجية وصفية تحليلية، قارنت فيها تعريفات الألفاظ عند المعاجم وعند الكفعمي، كاشفةً عن دقته في استحداث أو تطوير بعض الدلالات، بما يمنح القارئ أداة لفهم النصوص القرآنية والحديثية بلغة أعمق وأكثر انفتاحاً.

يذكر أن إصدار كتاب "رتق الفتوق" عبر مركز كربلاء للدراسات والبحوث، لا يمثل مجرد إعادة نشر لتراث لغوي، بل هو إحياء لفكر نقدي أصيل سبق زمانه، وفتح بابٍ جديد أمام الدراسات اللسانية الحديثة التي تبحث في ظواهر الدلالة والاختلاف المعنوي.

وبهذا يكون المركز قد أضاف إلى جهوده المستمرة في تسليط الضوء على المعرفة الإنسانية لعلماء كربلاء الأوائل، لبنة جديدة تضيء للباحثين والدارسين، طريق الفهم والتحليل، وتؤكد أن اللغة العربية هي بحر لا ينضب، وثراؤها مفتاح لفهم النصوص المقدسة والحياة الفكرية للمسلمين.

لطلب نسخة من الكتاب: زيارة المكتبة العامة لمركز كربلاء للدراسات والبحوث/ باب بغداد/ بداية شارع السيدة زينب (عليها السلام).