إذا أراد الإنسان أن يحمي نفسه من كلام الآخرين فلابد له أن يمتنع من الكلام عنهم بما يكرهون فإنّ «مَنْ أَسْرَعَ إِلَى النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ قَالُوا فِيهِ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ» ، كما في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة.
و النص في تمام نهج البلاغة «مَنْ أَسْرَعَ إِلَى النّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ قَالُوا فيهِ مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَمَنْ تَتَبَّعَ مَسَاوِئَ الْعِبَادِ فَقَدْ نَحَلَهُمْ عِرْضَهُ» ، أي منحهم عرضه.
فمن تعجّل في النّاس بأقوال أو أفعال أو أخبار أو ذكر صفات لا يحبّونها، و بإظهار نواقصهم أو عيوبهم، و بكل ما يكرهون حقيقة كانت أو كذبا ملفقا فإنّ ردة الفعل عندهم أن يقولوا فِيه بما لا يعلمون و لا يعرفون، ردة الفعل هذه مدفوعة بغضب و مبالغة في الانتقام أو التشفي فيذكرون له عيوبا لا يعلمونها فيه أو نواقصا يجهلونها عنه أو افتراءات يختلقونها.
والغرض من الكلام هو دعوة و حث على ألا يتحدث الإنسان عمّا يكرهه الآخرون، و إذا فعل ذلك فإنّه سيضطر أن يسمع أكاذيب ضده و مبالغات و اتهامات هو بريء منها، و عليه ينبغي أن يضبط الإنسان لسانه و مشاعره و ملاحظاته في غير مواقعها، حتى يتجنب النتائج السلبية و ردود الأفعال.
أما إذا كان يبادر بإيذاء الناس أو مواجهتهم بما يكرهون من الكلام أو الأفعال، فإنهم سيردّون عليه، و قد يتحدثون عنه بما لا يعرفونه عنه، و ربما يظلمونه في أقوالهم، جزاءً له على إساءته لهم.
و بمعنى آخر فإنّ من يتسرع في معاملة الناس بسوء و أذى فإنّه يجلب على نفسه ألسنتهم، و ربما بالغوا في ذمّه أو اتهموه بأشياء ليست فيه فيقع الضرر عليه و هو في غنى عنه.
و هذا مشاهد في بعض الأفراد في المجتمع فإنّ من عاداتهم كثرة الكلام فيقعون في كثرة الأخطاء، و لا يتورعون من الكلام على الآخرين فتصلهم أسهمهم و تكثر عليهم بما لا يستطيعون ردّها لكثرتها بحق أو بباطل، فالأولى للعاقل أن يتجنب الكلام على النّاس و خاصة بما يكرهون، و يمتنع عن غيبتهم، و ينشغل بعيوب نفسه و تهذيبها فإذا فعل ذلك أخرس المغتابين و المرجفين و المهرجين.
و لا يشغل نفسه كثيرا بأقوال الآخرين بالكذب و الباطل فإنّه مهما فعل من أعمال صالحة و ترقى في مدارج الكمال و أخلص و اتّقى فلن يستطيع أن يمنع كلام الآخرين أو يرضيهم، و لم يسلم من ذلك الأنبياء و الأوصياء و هم المصطفون من الله سبحانه و تعالى، و ليسعى جاهدا لرضا الله سبحانه و تعالى، ثم لا يهمه ماذا يُقال و من قال.
و مثله أيضا يُروى عن الإمام زين العابدين (ع) في قوله: «مَن رَمَى الناسَ بما فيهِم، رَمَوهُ بما ليسَ فيهِ» ، أي من تكلم عن النّاس بسوء و اغتابهم و كشف عيوبهم فتح على نفسه بابا للانتقام المبالغ فيه و بأمور ليست فيه، فيكون هو الضحية بكلامه و كأنّه رمى نفسه و أذّى نفسه، فإنّ النّاس لا يحبون أن تكشف عيوبهم و خاصة أمام النّاس.
و إذا أراد الإنسان النصيحة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و تعليم الجاهل فله طرقه و هي هدية يجب أن يفرح بها الموجّه إليه النصح و الملاحظات و لها طريقتها و شروطها و منه أن يكون الناصح بقلب محب و مخلص، و ألا تقال الملاحظات و النصائح علنا، و في هذا روايات.
و بالتفصيل الكلام بما يكرهه الناس يسبب لهم أذى و إِساءة و مضرّة و من طبائع الناس النفور عن الأذى، و بغض الموذي و عداوته و خصومته، و هو في غالب الناس يؤدي لرمي المتكلم بكلام صادق أو كاذب، بما فيه و بما ليس فيه، فينسبون إليه أمورا كثيرة، إما كردة فعل، أو تشفيا ، أو انتصارا لأنفسهم، أو ليوافقهم الآخرين و يوآزروهم و يناصروهم في دفع المتكلم و دفع أذاه و أذيته، و بالتالي «الكلام على النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ» يؤدي إلى خصومات و عداوات و زيادة الأعداء.
و الناس قد يتكلمون و يتحدثون بشكل سلبي في شخص ما، و هو أساسا مسالم و غير مؤذي و غير متعدي، فكيف إذا كان شخص متعدى على الآخرين و يجرحهم و يسمعهم مايكرهون حينها يتضاعف كلامهم و تكثر غيبتهم، و قد تلحقه إضافات من طعون و تعيير و شتم، قال الشاعر:
و منْ دعا النَّاسَ إلى ذمِّهِ ذمُّوهُ بالحقِّ و بالباطلِ
و الانشغال بالكلام أو بالأفعال ضد الآخرين أو النيل منهم يوقع في محذورات شرعية، و يولد ردود فعل قد تكون عنيفة وغير متوقعة، و إلى عداوات و كما يروى عن أمير المؤمنين (ع) «مَن عابَ عِيبَ، ومَن شَتَمَ أجِيبَ»، و المهم انشغال الإنسان بنفسه و بعيوبه و نواقصه و شوائبه، كما عن الإمام (ع) في نهج البلاغة «طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ»، و عنه (ع) «أي بُنَيَّ، مَن أبصَرَ عَيبَ نَفسِهِ شُغِلَ عَن عَيبِ غَيرِه» ، و عن الإمام الصادق (ع) : «لا تَغتَبْ فتُغتَبُ، و لا تَحفِرْ لِأخِيكَ حُفرَةً فَتَقَعَ فيها، فإنَّكَ كما تَدينُ تُدانُ» ، فالأولى و الأجدر إصلاح الإنسان نفسه و رفع عيوبه و التخلص من نواقصه، و هي المهمة الصعبة التي ينبغي التركيز عليها و التذكير بها و الجدّ فيها، و هي تهذيب و إصلاح النفس.
و التعاليم الإسلامية تدعو إلى احترام الآخرين و حفظ حقوقهم و عدم التعدي عليهم و لو بالكلام و في الرواية عن النبي (ص): «إذا نَسَبَكَ رجُلٌ بما يَعلَمُ مِنكَ فلا تَنسِبْهُ بماتَعلمُ مِنهُ، فيكونَ أجرُ ذلكَ لكَ و وَبالُهُ علَيهِ» ، و أمير المؤمنين (ع): «اصْحَبِ النَّاسَ بِمَا تُحِبُّ أَنْ يَصْحَبُوكَ تَأْمَنْهُمْ وَ يَأْمَنُوكَ» .
و يحفظ الإنسان نفسه بحفظ حقوق الغير فإن انتهكها انتهكت حقوقه، فكأنّه يعطي الآخرين فرصة أو إجازة في التعرض و الإساءة إليه و الكلام عليه بسوء فيجلب على نفسه سياط ألسنتهم، فتتسع نوبتهم في الردّ و الذم و الاتهام بما يتسع له انتقاماتهم و بغضهم.

  - نهج البلاغة – حكمة 35
  - تمام نهج البلاغة، السيد صادق الموسوي، ص ١٥٠
  - نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، الحلواني، ص ٩١ ، بحار الأنوار، ج ٧٢، العلامة المجلسي، ص ٢٦١، بحار الأنوار، ج ٧٥، العلامة المجلسي، ص ١٦٠
  - تحف العقول عن آل الرسول ( ص )، ابن شعبة الحراني، ص ٨٨
 - الأمالي، الشيخ الصدوق، ص ٥٠٥
  - كنز العمال، المتقي الهندي، ج٣، ص ٥٩٨
  - غرر الحكم ودرر الكلم، عبد الواحد الآمدى التميمي، ص ١٤٧

المقال يمثل رأي الكاتب وليس بالضرورة ان يمثل رأي المركز