تقع محافظة كربلاء المقدسة في قلب العراق، وتمتاز بمناخٍ متنوع يجمع بين الاعتدال النسبي في فصل الشتاء والارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة خلال فصل الصيف، بما يعكس خصائصها الجغرافية المميزة وموقعها المتفرد ضمن البيئة الطبيعية العراقية.
وتُعد درجة الحرارة من أبرز عناصر المناخ تأثيراً في حياة الإنسان ونشاطه، بل إنها أحد محركات الحركة السياحية، إذ تجذب المناطق المعتدلة الزائر والسائح وتُبعده مناطق التطرف المناخي، ومن هنا، فإن دراسة الخصائص الحرارية في كربلاء ليست مسألة علمية فحسب، بل مدخل لفهم أنماط الراحة البيئية والسياحية في هذه المدينة المقدسة التي تستقبل ملايين الزائرين سنوياً من مختلف بقاع الأرض.
وتشير البيانات المناخية المنشورة في موسوعة كربلاء الحضارية الصادرة عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث، إلى أن المعدل العام لدرجات الحرارة في كربلاء يبلغ نحو (24°C)، وهي درجة تعكس طبيعة شبه قارية يغلب عليها الجفاف والحرارة العالية في الصيف.
ففي شهر نيسان تبدأ درجات الحرارة بالصعود لتبلغ (24.1°C)، وتواصل ارتفاعها حتى تصل إلى ذروتها في شهري تموز وآب بمعدل (36.6°C و35.9°C)، نتيجة اقتراب الشمس من الوضع العمودي وزيادة ساعات السطوع الفعلي.
ومع حلول أيلول، يبدأ الانخفاض التدريجي في الحرارة ليصل إلى (32.2°C)، ثم يستمر التراجع خلال الخريف والشتاء حتى تصل إلى أدنى معدلاتها في كانون الثاني بحدود (10.3°C)، مما يمنح المدينة شتاءً معتدلاً ومريحاً مقارنة ببقية محافظات العراق الوسطى والجنوبية.
أما المعدلات السنوية لدرجات الحرارة العظمى والصغرى فتوضح تبايناً حرارياً لافتاً، فالعظمى تسجل معدلاً سنوياً يبلغ (30.9°C)، بينما تبلغ الصغرى (17.5°C)، وهو فارقٌ يفسّر نشوء النسيم الليلي المعتدل الذي يخفف من وطأة النهار، خصوصاً في المناطق الريفية المحيطة بالمدينة.
ويبلغ أعلى معدل لدرجات الحرارة العظمى في شهريّ حزيران وتموز بمعدل (41.7°C إلى 44.2°C)، فيما تنخفض إلى (15.8°C) في كانون الثاني، مما يعكس حدة التباين الموسمي الذي يحدد شكل الحياة اليومية وأوقات الأنشطة الدينية والسياحية في كربلاء.
ورغم ما يبدو من قسوة مناخية في ذروة الصيف، إلا أن كربلاء استطاعت أن تحافظ على جاذبيتها الروحية والسياحية بفضل استعدادات متواصلة من العتبات المقدسة والدوائر الخدمية، عبر أنظمة تبريد متطورة ومشاريع ظلٍّ واسعة النطاق تتيح للزائرين ممارسة طقوسهم في أجواء أكثر راحة وأمان.
وهكذا، تتعدى حرارة كربلاء ما هو أكثر من مجرد رقمٍ في سجل الأرصاد الجوية، بل نبضاً إنسانياً ودينياً يعكس صبر أهلها وكرمهم واحتضانهم للملايين في كل موسم من مواسم الزيارة المباركة.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور الجغرافي، 2017، ج1، ص131-133.