شهدت مدينة كربلاء المقدسة في العهد البويهي (334هـ - 446هـ / 946م - 1155م) نهضة عمرانية وتجارية كبيرة، بفضل اهتمام الحاكم عضد الدولة البويهي الذي أعاد بناء مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) بين عامي (369-371هـ / 980-982م)، وشيد لأول مرة مرقد أخيه أبي الفضل العباس (عليه السلام) سنة (372هـ / 983م).
هذه النهضة شملت تأسيس بيوت وأسواق جديدة، من أبرزها سوق التجار، وسوق الحسين، وسوق العباس، والتي نشأت بين المرقدين الشريفين، وكان من أبرزها السوق الممتد من باب الصحن الصغير للروضة الحسينية باتجاه الشمال، متفرعاً شرقاً نحو الباب الغربي لصحن الإمام العباس، ليشكل أحد أقدم الأسواق في تاريخ المدينة.
وعُرف هذا السوق في وقت لاحق بأسماء مثل "سوق سيد الشهداء" و"سوق ما بين الحرمين" و"سوق العجم" نظراً لخدمة الجالية الفارسية فيه لزائري كربلاء، حيث تميز بتصميم فريد من ثلاثة طوابق، لكنه تعرض على مرّ العصور لأحداث مؤسفة، منها هدمه سنة (858هـ / 1454م) على يد المشعشعين بقيادة "محمد بن فلاح المشعشعي".
ويكشف هذا الإرث العمراني، الموثق في موسوعة كربلاء الحضارية الصادرة عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث، عن عمق التاريخ التجاري والحضاري للمدينة المباركة التي جمعت بين القداسة والازدهار الاقتصادي في أبهى صورها.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور الاجتماعي، 2020، ج1، ص57.