لم تكن كربلاء المقدسة عبر تاريخها العريق، مدينة عبادة فحسب، بل كانت منارة علم وفكر تبوأت مركزاً علمياً مرموقاً في الدراسات الإسلامية واللغوية، حيث تحولت العتبتان المقدستان الحسينية والعباسية إلى مدرستين فكريتين تخرّج منهما العلماء والفقهاء والخطباء العظام.
ففي أروقة الصحنين الشريفين، كانت تُعقد الدروس الفقهية والمجالس الأدبية والمهرجانات الخطابية، وتُعرض في مكتباتهما نوادر المخطوطات العربية، فيما احتفظ العلماء والأدباء في بيوتهم بخزائن علمية عامرة بالمؤلفات والمخطوطات النادرة.
غير أن تلك الكنوز الفكرية لم تسلم من عوادي الزمن، إذ ضاع كثير من التراث المخطوط إثر ما تعرّضت له المدينة من نكبات، والتي كان أقساها الهجوم الوهابي الغادر عام 1801م حيث أتى على جزء كبير من الإرث العلمي والحضاري لمدينة سيد الشهداء (عليه السلام).
واليوم، تواصل العتبات المقدسة في كربلاء نهضتها العلمية والفكرية من جديد، عبر مؤسساتها ومراكزها البحثية التي تحيي التراث وتعيد للمجتمع الإسلامي وعيه العلمي وهويته المعرفية الغنية.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور التاريخي، قسم التاريخ الحديث والمعاصر، 2020، ج1، ص37.