تكشف كربلاء المقدسة، بكل هدوئها المهيب، عن طبقات تاريخية لا تزال تنبض بالحياة تحت رمالها ومرتفعاتها، فالشواهد الآثارية المنتشرة في محيطها تمثل حلقات حيّة من سجل الحضارات التي تعاقبت على هذه الأرض المقدسة منذ آلاف السنين.
ووفقاً للدراسات المنشورة عبر موسوعة كربلاء الحضارية الصادرة عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث، فقد تم العثور على مغارات وكهوف قديمة أبرزها كهوف "الطار"، إلى جانب مرتفعات “الأكوار” والهضاب والأطلال التي يجري التنقيب فيها حالياً، حيث أشارت هذه المعالم إلى وجود استقرار بشري مبكر يعود إلى حقب زمنية سحيقة، إذ كانت المنطقة تقع على مجرى الفرات القديم المتجه نحو بحر النجف جنوباً، ما أسهم في نشوء قرى زراعية بدائية تحولت مع الزمن إلى تجمعات بشرية مستقرة.
وتنقل الموسوعة عن مؤرخين قولهم إن من أهم تلك القرى القديمة "غاضرة بني أسد"، و"العَقَر"، و"نينوى الجنوبية" التي يُرجح أن تكون قد ورثت اسمها من حقبة الازدهار الحضاري في نينوى الشمالية، إلى جانب قرية "شفية" التي كانت قريبة من موضع كربلاء الحالية، حيث كانت كلها آهلة بالسكان وتدل على حركة بشرية نشطة في المنطقة.
ولم تكن هذه الشواهد بمعزل عن مواقع أخرى بارزة، فالقرب الجغرافي من منطقة "عين التمر"، وما تضمه من آثار وبقايا عمرانية، يعزز حقيقة أن كربلاء وما حولها كانت مركزاً بشرياً وحضارياً مهماً منذ عصور موغلة في القدم.
كما تزخر أطراف كربلاء، ولا سيما منطقة بحيرة الرزارة، بآثار بارزة مثل خان العطشان العائد إلى فترة الاحتلال الفارسي للعراق، ومنارة موجدة، وكنيسة الأقيصر التي تعد من أقدم دور العبادة المسيحية في المنطقة، فيما تنتشر كذلك بقايا أديرة وكنائس ومواقع عبادية مختلفة، ما يكشف عن تنوع ديني كان قائماً منذ عصور بعيدة.
وتشير المصادر إلى وجود مواقع غرب كربلاء لا تزال غير منقبة حتى اليوم، والتي يرجح أن تحتضن بين طبقات أرضها شواهد تاريخية قادرة على إعادة رسم صورة أكثر وضوحاً عن العمق الحضاري للمنطقة.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور الجغرافي، 2017، ج2، ص27-28.