الأزدي الذي كان من خيرة صحب الإمام علي (عليه السلام)، ومن المقرّبين للإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)، وجد نفسه في قبضة الطاغية عبيد الله بن زياد بعدما علم الأخير أنه من أوائل من كتبوا إلى الإمام الحسين داعين إيّاه إلى الكوفة، ومن الداعمين للشهيد مسلم بن عقيل في أيامه الأخيرة.
ومع أن الاعتقال كان محاولة لكسر إرادته، إلا أن عبد الله خرج من السجن أكثر عزماً ووضوحاً في الهدف، فما إن وضعت معركة الطف أوزارها، حتى التحق بالمجاهد الكبير "سليمان بن صرد" في مشروعه التاريخي الهادف إلى رفع راية الثأر لدم الحسين (عليه السلام)، حيث ساهم الأزدي في دعوة زعماء الشيعة في الكوفة والبصرة والمدائن، تمهيداً لولادة ما عرف لاحقاً بـ "ثورة التوابين" سنة 65 للهجرة.
ومع انطلاق الثورة، كان الأزدي في مقدمة صفوف المجاهدين الذين توجهوا إلى "عين الوردة" حيث دارت واحدة من أعنف المعارك ضد الجيش الأموي، وهناك سطّر (رحمة الله عليه) شجاعة استثنائية جعلته من كبار قادة الميدان، إذ كان يهجم أولاً ويرتجز بصوت يهزّ القلوب:
ارْحَمْ إِلهِي عَبْدَكَ التَّوَّابَا وَلَا تُؤَاخِذْهُ فَقَدْ أَنَابَا
فَارَقَ الأَهْلِينَ وَالأَحْبَابَا يَرْجُو بِذَاكَ الْفَوْزَ وَالثَّوَابَا
واستمر يقاتل ببسالة حتى ارتقى قائد الجيش الشيعي، "المسيب بن نجبة" شهيداً، فحمل الأزدي راية الجهاد من بعده، وخاطب رفاقه بآية رسخت في ذاكرة الثائرين: ﴿ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾.
ثم اندفع يقود هجوماً خاطفاً أربك العدو، وأنزل في صفوف الجيش الأموي عشرات القتلى والجرحى، فأجبرهم على طلب الإمدادات خوفاً من انهيار مواقعهم.
غير أن شجاعة الأزدي دفعت الأعداء إلى وضع خطة خاصة للتخلص منه، فهاجمه "ربيعة بن المخارق" مع مجموعة من قادة الأمويين، وبعد قتال شرس نال الشهادة التي طالما تمناها، بعدما ألحق بالأعداء خسائر كبيرة وترك بصمته واضحة في طريق الثأر لدم سيد الشهداء (عليه السلام).
لقد مضى عبد الله بن سعد الأزدي شهيداً كما عاش مجاهداً، بعد أن واسى بدمه دموع عيال الحسين ومحبيه، وأثبت أن الوفاء لأهل البيت (عليهم السلام) طريقٌ لا ينتهي مهما تعاقبت العصور.
المصدر: زميزم، سعيد رشيد، رجال ثأروا لدم الحسين، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2021، ص36-37.