وُلد البهبهاني في أصبهان بين الأعوام (1116–1118هـ)، في بيت عُرف بالعلم والزهد، قبل أن ينتقل مع والده إلى مدينة بهبهان حيث تلقى تعليماً عميقاً تتلمذ خلاله على جمع من العلماء، وبعد سنوات من التكوين العلمي، اتجه إلى كربلاء المقدسة ليبدأ المرحلة الأبرز في حياته، والتي ستصنع منه رائد النهضة الأصولية وأحد أبرز قادة الفكر الإمامي في العالم الشيعي.
وما إن وطئت قدماه أرض كربلاء حتى نهض بمهام القيادة العلمية والدينية، متحملاً أعباء الزعامة بكل ما تتطلبه من مسؤوليات وتحديات، وفي وقت كانت الحركة الإخبارية تتمتع بقوة واضحة، حيث وقف الوحيد البهبهاني موقف العالم المدافع عن منهج الأصول والتحقيق، فكسر شوكة الجمود الفكري، وفتح أبواباً واسعة للإجتهاد العلمي واستئناف البحث الرصين.
ومع مرور السنوات، انتهت إليه رئاسة المذهب الإمامي في العالم، وخضع لأقواله كبار العلماء في مختلف الأمصار، فقد اعترف مترجموه بأنّ وصفه صعب، وأنّ مقامه العلمي أعظم من أن تستوعبه الكلمات.
كما لم يقتصر أثر البهبهاني على مؤلفاته وبحوثه، بل كانت عظمته تكمن أيضاً في جيل العلماء الذين تخرّجوا في مدرسته، ومنهم أعلام تركوا بصماتهم على الفقه والرجال والكلام والعلوم الإسلامية، مثل السيد مهدي بحر العلوم، والشيخ جعفر كاشف الغطاء، والمولى مهدي النراقي، إلى جانب الميرزا القمي، والميرزا مهدي الشهرستاني، والسيد محسن الأعرجي، وغيرهم ممن أسّسوا لميراث علمي ضخم ما زال يُدرَّس ويُحتفى به.
خلّف الوحيد البهبهاني ما يقارب الستين رسالة وكتاباً، تُعد اليوم من عيون التراث الأصولي، منها: "الفوائد الحائرية"، و"شرح المفاتيح"، و"حاشية المدارك"، و"تعليقة الرجال"، فضلاً عن سلسلة "حاشية الوافي"، و"حاشية الكافي"، و"حاشية المعالم"، وغيرها من الكتب التي تعكس عمق تفكيره وإحاطته المعرفية.
وقد تناولت حياته ومنهجه كتب موسوعية عديدة مثل روضات الجنات، وأعيان الشيعة، والفوائد الرضوية، وقصص العلماء، وتكملة أمل الآمل، بالإضافة إلى مؤلفات مستقلة أبرزها كتاب "وحيد بهبهاني" للشيخ علي الدواني.
اختُتمت حياة هذا العالم الكبير في كربلاء سنة (1205 – 1208هـ)، ودُفن في رواق حرم الإمام الحسين (عليه السلام) مما يلي أرجل الشهداء، وكأنّ القدر اختار له أن يستقر عند العتبة التي خدمها بعقله وقلمه وجهاده العلمي.
المصدر: الجبوري، كامل سلمان، وثائق الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة، 2025، ص99-100.