تُعدّ كربلاء المقدسة، أو الحائر الحسيني كما ورد في المصادر التراثية، واحدةً من أعرق المدن العراقية التي ارتبط تاريخها وملامح عمرانها بوجود مرقد الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس (عليهما السلام)، حيث شكّلت العتبات المقدسة محوراً روحياً وحضارياً جذب ملايين الزائرين، وأسّس لدورة عمرانية مستمرة على مرّ العصور.
وخلال العهد العثماني، اكتسبت كربلاء منزلة استثنائية داخل الخارطة الإدارية للدولة، إذ تنوّعت تسمياتها بين السنجق واللواء والمتصرفية، تبعاً لتغيرات السلطة المركزية في إسطنبول، بينما ظلت مرتبطة إدارياً بولايتي بغداد أو النجف بحسب المراحل السياسية المتعاقبة.
تميّز عمران كربلاء في تلك الحقبة بارتباطه المباشر بالمزارات الشريفة، فجاءت توسعات الأزقة، والأسواق، والمحلات القديمة نتيجة لحركة الزائرين وتكاثر الوافدين من مختلف بلاد المسلمين، وقد منح هذا الازدهار العمراني المدينة طابعاً مميزاً، جعلها مركزاً دينياً وثقافياً يفوق أهميته الإدارية.
كما خضعت المدينة لإشراف مباشر من الباشا العثماني في بغداد، فيما كان الكليدار يتولى الجانب الديني والإداري الخاص بالروضة الحسينية المطهرة، مما يجعل كربلاء مثالاً على تداخل السلطة الروحية والإدارية في صناعة هوية المدن المقدسة.
ومع امتداد الحكم العثماني لقرون طويلة، ظلّت كربلاء محافظةً على حضورها الاستثنائي، ليس بوصفها مدينةً عراقية مهمة فحسب، بل باعتبارها صحوةً خالدة لا تنطفئ، ومركزاً عمرانياً نشأ من نور الثورة الحسينية وتاريخها العريق.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور التاريخي، قسم التاريخ الحديث والمعاصر، 2020، ج3، ص1-2.